الشمال السوري – خطوة نحو الأمام خطوتين نحو الوراء

تمر مناطق الشمال السوري الخاضعة للنفوذ التركي بنوع من الاستقرار المشوب بالحذر، وذلك بسبب سيطرة الفصائل العسكرية الموالية لتركيا على مجمل مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومن الملاحظ أن الفئات الاجتماعية التي تنتمي في أصولها الى هذه المناطق بدأت تتلاءم مع الواقع السائد بالرغم من وجود بعض المخاوف المشروعة في ظل غياب بوادر أي مشروع سياسي يمهد لحوكمة سياسية رشيدة من شانها الدفع نحو المزيد من أجواء الاستقرار عبر ضبط وتنظيم عمل السلطات والتمهيد لحالة انتقالية حقيقية قوامها المجتمعات المحلية القائمة، بحيث تكون قادرة على إدارة نفسها بعيداً عن أجواء الملاحقة والتهديد، وتتلاشى فيها المظاهر السلبية لسلطات الأمر الواقع التي رافقت ظروف تحرير هذه المناطق من تنظيم داعش الإرهابي عام 2016.
فعملية إعادة الاعمار التي ترافق عادة ظروف انتهاء الأزمات والحروب لم تبدأ بعد، ولهذا أسبابها، إلا أن مفهوم التعافي المبكر بدأ يتعزز ويشغل حيزاً ملموساً من اهتمامات السكان المحليين، وذلك بالاعتماد على قدرات المجتمع، والتوجه الذاتي نحو تنمية القدرات المحلية والانتقال بالمجتمع من أسلوب الاعتماد على المساعدات الإنسانية الى أسلوب الاعتماد على القدرات الذاتية، والوصول الى الحدود الدنيا من سويات التنمية المستدامة، بما في ذلك إعادة الروح الى البنى التحتية التي دمرتها الحرب، وتوفير مقدمات الصمود، والحد من تأثيرها
وقد بدأوا بتفعيل ما تبقى لديهم من طاقات عبر صيانة أبار المياه المتوقفة بغية تأمين مياه الشرب، وبدأوا باستغلال الطاقة الشمسية لتامين حاجتهم من الطاقة الكهربائية البديلة بالرغم من تكاليفها الباهظة، وهذا ما زاد من ثقة الناس بطاقاتهم وإمكاناتهم، إلا ان التجاذبات البينية التي تحصل بين الفصائل العسكرية المسيطرة بين الفترة والأخرى قد تضع مستقبل هذه المناطق مرة أخرى أمام مخاطر وتحديات جديدة، وهذا ما يجب التركيز عليه خلال الفترات اللاحقة، والبدء بتبني آليات جديدة من شأنها طمأنة الناس على مصيرهم ، من خلال تحديد مهام العسكر واشغالهم في توفير الأجواء الأمنة، وابعادهم ما أمكن عن مفاصل الحياة المدنية، يضاف الى ذلك محاولة تطويع القرار السياسي والاقتصادي وحصره في مراكز المدن الرئيسية كما كان يحصل في السابق، والعمل على تغييب الشرائح الريفية التي تشكل غالبية سكان هذه المناطق من مفاصل الفعل والقرار عبر مجالس محلية صورية غير منتخبة تلبي تطلعات شرائح محددة من تجار الحروب وحيتان الأزمات، لهذا لا بدا من العمل على تبني اليات تمثيلية جديدة أكثر ديموقراطية تفسح المجال أمام مجمل الشرائح الاجتماعية في انتخاب مجالسها، والعمل وفق مبدأ لامركزية المجالس والإدارة، وتوزيع سلطات هذه المجالس بين المدن والأرياف، وإفساح المجال أمام المجتمعات المحلية للقيام بإدارة مواردهم، وتوفير أجواء متوازنة بين الريف والمدينة بحيث يصار الى توزيع الموارد والسلطات في ما بينهم وفق معايير عادلة، وبدون ذلك لا يمكن تحقيق أي شكل من أشكال الاستقرار، فالتنمية المستدامة التي يسعى اليها الجميع تحتاج الى أجواء أكثر انفتاحاً على مجمل القضايا بما في ذلك قضية إدارة المجتمع.