أخبار الحركةبيانات و توضيحات

قراءة في المشهد السياسي في سوريا وجوارها الإقليمي

أثار كل من الخطاب الذي ألقاه رئيس النظام السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الرابع للمجلس في الخامس والعشرين من شهر آب المنصرم، و المقابلة التي اجراها تلفزيون سكاي نيوز معه في التاسع من الشهر ذاته، جملة من التساؤلات، والتي اعتبرها البعض رسائل سياسية مبطنة وجهها الأسد الى المجتمعين الدولي والإقليمي، موضحاً فيهما موقف نظامه من جملة المسائل والقضايا السياسية المتعلقة بالشأن السوري، سيّما مسألة الانتقال السياسي حسب المرجعيات الدولية بما في ذلك قضية عودة اللاجئين السوريين، ومسار التطبيع مع تركيا، ومصير علاقة نظامه مع إيران، ومستقبل العلاقة مع المحيط العربي ودور ومكانة سوريا في الجامعة العربية، حيث أنه قام بتقزيم قضية اللاجئين السوريين بالنظر إليها كمجرد قضية هامشية في سياق الحوار مع الجانب التركي واعتبار أن المشكلة في عودتهم هي لوجستية وليست أمنية، بمعنى أن عودة اللاجئين مرتبطة بمسألة الدعم بغية تأهيل البنية التحتية التي تم تدميرها خلال سنوات الحرب، أي أنه يحاول ربط عودة اللاجئين بموضوع إعادة الإعمار، في الوقت الذي يتطلع فيه اللاجئون السوريون إلى ظروف أمنية أفضل كشرط أولي لعودتهم، سيّما بعد تعرض العديد من العائدين الى الاعتقال والتعذيب، وأن مصير العشرات منهم لا يزال مجهولاً. أما بخصوص مسار التطبيع مع تركيا فقد انطلق من وقائع رسمها لنفسه من قبيل أن الإرهاب في سوريا هو صناعة تركية، وأن غاية الرئيس التركي في الجلوس معه هي شرعنة وجود القوات التركية على الأرض السورية، في الوقت الذي تدّعي فيه تركيا أن مسألة سحب قواتها من سوريا ستكون ممكنة فقط حين يقبل الأسد بتهيئة الأجواء لحل سياسي شامل بما في ذلك حل مشكلة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا، إلى جانب محاولة احتواء قوات سوريا الديمقراطية وإنهاء دورها لاحقاً، وهذا ما دعا وزير الدفاع التركي للردّ على خطاب الأسد بقوله: «من غير المعقول أن تنسحب القوات التركية من سوريا دون ضمان أمن حدودها الجنوبية»، ليعيد ويقول في تصريح لاحق: «ما من مشكلة بين سوريا وتركيا، وأن من مصلحة البلدين انهاء حالة الصراع الحالية، ومواصلة انشطتهما كدولتين جارتين». وقد جاء تصريح وزير الخارجية الروسي ليؤكد استمرار روسيا في رعايتها للمصالحة بين أنقرة ودمشق مؤكداً أن تركيا مستعدة لمناقشة سحب قواتها من سوريا دون الاعتماد في ذلك على معايير محددة لا يمكن حلها.

أما فيما يتعلق بمصير علاقة نظامه مع إيران والتي تعتبر بمثابة الشرط العربي غير المعلن لاستكمال عملية تطبيع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع نظامه، فقد أشاد الأسد مرة أخرى بالدور الإيراني والروسي في هزيمة الإرهاب في سوريا، وأن نظامه قد أحسن في اختيار الأصدقاء، وهي محاولة لإلغاء المبررات التي تستند عليها بعض الأطراف العربية والإقليمية في سعيها لاستكمال عملية التطبيع مع نظام الأسد ظناً منها أن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى سحب نظام الأسد من الحضن الإيراني، لكن الوقائع الأخيرة قد أثبتت زيادة وتيرة الاندفاع السوري نحو إيران مقابل ابتعاد واضح عن المحور العربي.

أما بخصوص مستقبل العلاقة مع المحيط العربي فقد أشار الأسد بوضوح الى هشاشة الموقف العربي، واصفاً إياه بأنه شكلي ولا يفلح سوى في البيانات والخطابات، وأن الجامعة العربية لم تتحول بعد الى مؤسسة قومية بالمعنى الحقيقي.

عموماً فقد أغفل الأسد في خطابه جوهر الأزمة السورية إذ تجاهل الموقف من المعارضة السورية عموماً والموقف من سلطات الأمر الواقع خارج سلطته، وكذلك قوات التحالف الدولي، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والحراك السلمي في السويداء، وعودة العنف في درعا. وإن دلّ هذا على شيء فإنه يدلّ على استمرار لامبالاته بحالات التقسيم الحالية، واستعداده للتفرّغ لمناطق سيطرته فقط، وهذا دليل على العجز عن الانتقال بسوريا إلى حلّ سياسي شامل، بل وغياب أية رؤية حقيقية لذلك الحلّ.

بالمحصلة يمكن القول أن المنظومة التي يقودها بشار الأسد غير جادة في تغيير سلوكها، والتي كانت السبب في تدمير سوريا، خاصة فيما يتعلق بجعل سوريا مركزاً لتصدير المخدرات، ومرتعاً للميليشيات الطائفية الموالية لإيران، الى جانب استمرارها في سياسة ترهيب اللاجئين السوريين ووضع العراقيل في طريق عودتهم.

أما بخصوص الحوار الكُردي – الكُردي والمتوقف منذ عام 2020 فقد أشار قائد قسد مؤخراً في تصريح له أن احتمال استئناف الحوار خلال شهر آب المنصرم كان قائماً، وهذا ما دعا طرفي الحوار للتعليق على هذا التصريح لاحقاً، فقد أشار الناطق باسم أحزاب الوحدة الوطنية (PYNK) إلى أن هناك تحضيرات لاستئناف الحوار دون الإشارة الى آلية ونوع هذه التحضيرات، في الوقت الذي أشار فيه الناطق الرسمي باسم المجلس الوطني الكردي (ENKS) إلى أنهم لم يتلقوا أية دعوى من الطرف الراعي للحوار حتى هذه اللحظة، في الوقت الذي شدد فيه على استعدادهم التام للحوار. وبالرغم من أهمية الحوار وضرورته إلا أننا ما زلنا نعتقد أن أيّ حوار جدي بين الطرفين المعنيين ليس ممكناً في ظلّ الوقائع والتوازنات الموجودة، وإن حصل لمآلات سياسية معينة فإنه سوف لن يفضي إلى أية نتائج إيجابية، كما أننا نشير بوضوح الى أن أي حوار كردي سوف لن يكتب له النجاح إذا لم يكن مبنياً على أسس مبدئية واضحة، وتشارك فيها مجمل القوى والفعاليات السياسية الكردية، وأن تكون الرعاية أممية وغير مقتصرة على جهة دولية بعينها. وبالنظر إلى أهداف كلّ طرف من الأطراف المعنية بالحوار سنجد أن ثمة هوة كبيرة لا تزال تفصل بين الأهداف والغايات التي ينطلق منها كل طرف، حيث أن حزب الاتحاد الديمقراطي ما زال مصراً على قيادة المشهد لوحده، وأن على المجلس الوطني الكردي ان يبادر للانضمام إلى الإدارة الذاتية القائمة دون المساس بقوامها لا من قريب ولا من بعيد، بينما يحاول المجلس الوطني الكردي الوصول الى شراكة متكافئة، والاستحواذ على نصف السلطة والإدارة، وإجراء التعديلات اللازمة في مضمون العقد الاجتماعي المعتمد، والسعي في الحصول على نصف الموارد من الآن فصاعداً، إلى جانب ذلك يشترط حزب الاتحاد الديمقراطي على المجلس الوطني الكردي قطع علاقاته كاملة مع ائتلاف قوى المعارضة السورية الموالية لتركيا، في الوقت الذي يتطلّع فيه المجلس الوطني الكُردي إلى دفع حزب الاتحاد الديموقراطي بإتجاه تحديد موقفه النهائي من منظومة قنديل. وإذا كانت المعطيات كلها تشير الى عدم إمكانية حدوث ذلك فإنها تشير أيضاً الى أن موقع وحضور المجلس الوطني الكردي في مسار الأحداث لا يضعه في موقع يسمح له بفرض شروطه على الآخرين.

في 2 أيلول 2024
المكتب التنفيذي
لحركة البناء الديمقراطي الكُردستاني – سوريا

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى