آراء و ومقالات

الإدارة المركزية واللامركزية والإدارة الذاتية والحكم الذاتي والفيدرالية وتطبيقاتها

إعداد المحامي محمد عباس

تختلف أنظمة الحكم والإدارة في دول العالم، وتعتمد هذه الأنظمة على كيفية توزيع السلطة بين المركز والأقاليم أو الوحدات الإدارية المختلفة. تتنوع هذه الأنظمة بين *الإدارة المركزية* التي تركز السلطة في يد الحكومة المركزية، و*الإدارة اللامركزية* التي تمنح بعض الصلاحيات للأقاليم أو الوحدات المحلية، وصولًا إلى *الإدارة الذاتية* و*الحكم الذاتي* التي توفر درجة أكبر من الاستقلالية للأقاليم. وفي بعض الحالات المتقدمة، يتم تطبيق *الفيدرالية*، التي توزع السلطة بين الحكومة المركزية والإدارات الإقليمية بشكل متوازن.

أتناول في هذه المقالة الأنظمة المختلفة للإدارة، وسأستعرض كلًا من *الإدارة المركزية*، *الإدارة اللامركزية*، *الإدارة الذاتية*، *الحكم الذاتي*، و*الفيدرالية*، وفق العهود والمواثيق الدولية وبقليل من التفصيل وتطبيقاتها في الدول المختلفة. 

1. الإدارة المركزية: 

هي نظام إداري تقوم فيه الحكومة المركزية بتولي كافة الصلاحيات والمسؤوليات بشكل مركزي. في هذا النظام، تتركز جميع القرارات السياسية والإدارية في يد السلطة المركزية، والتي تكون مسؤولة عن إدارة كل شؤون الدولة من العاصمة أو مقر الحكومة الرئيسي. تُحدد الحكومة المركزية السياسات العامة، وتعمل على تنفيذها من خلال الوزارات والمرافق الحكومية التي تتبعها مباشرة.

يتصف هذا النظام بخصائص و هو تركيز السلطة بيد الإدارة في العاصمة والتي تتخذ جميع القرارات دون مشاركة كبيرة من الأقاليم أو الوحدات المحلية وتكون وحدة التشريع والتنفيذ من أهم خصائص هذا النظام، حيث أن الحكومة المركزية هي المسؤولة عن إصدار القوانين وتنفيذها في جميع أنحاء البلاد عن طريق إدارة موحدة تنظم جميع الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والنقل، وكذلك الإشراف على توزيع الموارد.

من أبرز الدول التي تطبق النظام المركزي هي فرنسا والمملكة المتحدة (قبل تحويلها إلى نظام شبه لامركزي)، وفي معظم الدول العربية حيث تحتفظ الحكومة المركزية بجميع الصلاحيات.

ومن مزايا هذا النظام: 

– أنها تجعل من السهل توحيد السياسات في جميع أنحاء البلاد.

– يمنح استقرارًا سياسيًا أكبر لأن القرارات تأتي من جهة واحدة.

– يكون اتخاذ القرارات بسرعة نظرًا لتركيز السلطة في يد واحدة.

أما العيوب فيتسم هذا النظام ب :

– إهمال الخصوصيات المحلية التي قد لا تلائم السياسات المركزية واحتياجات الأقاليم المحلية، وخاصة إذا كانت الدولة تضم شعوب ولغات وثقافات متعددة ومختلفة كالشعب الكردي في كل من سوريا والعراق وتركيا وايران.

– البيروقراطية المفرطة وكذلك التعقيدات الإدارية التي تجعل القرار مركزياً مما يؤدي إلى الحاجة إلى الكثير من الوقت والجهد واهدار المال العام.

– الركود في التطوير والنمو المحلي بسبب تقييد السلطة المحلية وجعل قراراتها مرهونة بموافقة المركز.

2. الإدارة اللامركزية:

الإدارة اللامركزية هي نظام يتم فيه توزيع السلطة والمسؤوليات بين الحكومة المركزية والأقاليم أو الوحدات المحلية. في هذا النظام، تتمتع هذه الأقاليم أو الوحدات بقدر من الاستقلالية في اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات في مجالات معينة، مثل التعليم، الصحة، أو التخطيط المحلي، بينما تظل الحكومة المركزية مسؤولة عن قضايا أخرى، مثل الدفاع والسياسة الخارجية. 

ومن خصائص هذا النظام هو توزيع السلطة بين الأقاليم أو الوحدات المحلية حيث تتمتع ببعض السلطات التي يمكن ان تمارسها بشكل مستقل مثل التعليم والصحة وبعض الإجراءات الإدارية هذا من ناحية.

من ناحية أخرى ان هناك استقلال نسبي، حيث تبقى السلطات الرئيسية في يد الحكومة المركزية، بينما يُسمح للأقاليم باتخاذ قرارات خاصة تتعلق بحياتهم اليومية.

بالإضافة إلى ذلك يوفر هذا النظام إدارة محلية بحيث أن الحكومة المحلية تقدم خدمات قريبة من المواطنين وتراعي الخصوصيات المحلية سواءً كان استناداً إلى العرق او الدين او المذهب وغيره من الخصوصيات.

نجد تطبيقات هذا النوع من الإدارة اللامركزية مثل إسبانيا (حيث يتمتع اقليم الباسك بحكم ذاتي إلى حد كبير) وإيطاليا واليونان و تُعتبر فرنسا الحديثة أيضًا نموذجًا بارزًا في الإدارة اللامركزية الحديثة، حيث تم نقل صلاحيات واسعة إلى الأقاليم في العقود الأخيرة.

حقيقةً يتصف هذا النظام بمرونة أكبر حيث يمكن للأقاليم اتخاذ قرارات تتناسب مع احتياجاتها الخاصة ويساهم في تعزيز المشاركة المحلية وزيادة مشاركة المواطنين في صنع القرار بمرونة وشفافية أكثر، أضف إلى ذلك يتصف هذا النظام بجودة وتحسين الخدمات التي يقدمها، لأنها تكون بعيداً عن البيروقراطية والإجراءات المعقدة 

كما ان لكل نظام مزايا يتمتع بها، فهو لايخلو من العيوب وهو التفاوت في الخدمات التي قد تؤدي إلى تفاوت في نوعية الخدمات بين الأقاليم المختلفة.

وكذلك قد تكون هناك ازدواجية في السلطة التي قد تؤدي إلى تناقضات واحتدامات بين السلطات، لذلك تتطلب تنسيقاً كبيراً بين السلطات المركزية والمحلية بشأن صلاحيات كل منهما، لكي تكون بعيدة عن التعقيد.

3. الإدارة الذاتية:

الإدارة الذاتية هي نظام يقوم فيه المجتمع المحلي أو الإقليم بإدارة شؤونه الداخلية دون تدخل كبير من الحكومة المركزية. في هذا النظام يحصل الإقليم على درجة أكبر من الحرية في إدارة موارده واتخاذ قراراته، ولكن يظل جزء من السلطة المركزية متمثلًا في الأمور السيادية مثل الدفاع والعلاقات الخارجية.

من الخصائص الأساسية في هذا النظام هو الاستقلالية في اتخاذ القرارات حيث تتمتع الوحدات المحلية بقدر كبير من الاستقلالية في إدارة شؤونها دون التدخل المباشر من الحكومة المركزية، فالمجالس المحلية تتمتع بحرية كبيرة في اتخاذ القرارات المناسبة فيما يتعلق بالإقليم الخاضع لادارته.

من أبرز الأمثلة على تطبيقات الإدارة الذاتية نجد *كردستان العراق*، التي كانت تتمتع بحكومة ذاتية قبل سقوط نظام صدام حسين، وذلك بعد الانتفاضة الكردية سنة ١٩٩١.

من مزايا هذا النظام الاستقلالية والمرونة التي توفرها للمنطقة أو المجتمع المحلي تعطيه حرية كبيرة في اتخاذ قراراته الخاصة. والفهم المحلي والخصوصية قد يؤدي إلى حلول مبتكرة ومناسبة للواقع المحلي، كون القائمين على الإدارة هم من البيئة المحلية.

وأنه يعزز الهوية المحلية الثقافية والسياسية والاجتماعية.

– وإذا ما تحدثنا عن عيوب هذا النظام أنه قد يؤدي في بعض الأحيان إلى إضعاف الشعور الوطني تجاه الوطن ككل وخاصة إذا كانت هناك اختلافات جوهرية مع المركز. و قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ضعف التنسيق بين الأقاليم والحكومة المركزية في القضايا الهامة كالدفاع والأمور الاقتصادية وتوزيع الثروات.

4. الحكم الذاتي:

الحكم الذاتي هو نظام يُمنح فيه الإقليم أو الجماعة السياسية صلاحيات واسعة للاستقلال عن الحكومة المركزية، وخاصة في مجالات مثل التعليم، والاقتصاد، والثقافة، بينما تظل الحكومة المركزية مسؤولة عن قضايا مثل الدفاع والعلاقات الخارجية. يمكن أن يكون الحكم الذاتي محدودًا أو موسعًا وفقًا للظروف المحلية.

من خصائص هذا النظام انه يمنح صلاحيات واسعة في الحكم المحلي، حيث يتمتع الإقليم بالحكم على مجالات واسعة وهي قريبة من الحكم الفيدرالي الذي سنتحدث عنه لاحقاً.

أضف إلى ذلك انه تبقى بعض الصلاحيات بيد السلطة المركزية في بعض المجالات وخاصةً القضايا السيادية *: تبقى الحكومة المركزية مسؤولة عن القضايا السيادية.

و من الأمثلة على الحكم الذاتي، اقليم كاتالونيا في إسبانيا و*إقليم الهنگار في السويد. في كل هذه الحالات يُمنح الإقليم صلاحيات كبيرة في مختلف المجالات مع الاحتفاظ ببعض السيادة تحت إشراف الحكومة المركزية.

ومن مزايا هذا النظام هو تعزيز الاستقرار المحلي حيث يمكن أن يسهم في تحسين الاستقرار الداخلي في المناطق ذات الخصوصيات الثقافية أو العرقية من ناحية، وتحقيق التوازن بين السلطة المحلية والمركزية لأنه يحقق توزيعًا متوازنًا للسلطة من ناحية ثانية، واستجابة أفضل لاحتياجات المجتمع المحلية حيث يمكن أن تستجيب السلطات المحلية بشكل أسرع وأكثر فاعلية لاحتياجات المواطنين من ناحية ثالثة.

وكما كل الأنظمة التي تحدثنا عنها فان هذا النظام أيضاً لا يخلو من العيوب والتي من أهمها انه يؤدي إلى التفاوت في التنمية بين الأقاليم المختلفة وكذلك قد يؤدي إلى إضعاف الشعور الوطني وقد يؤدي إلى تعقيدات في تنسيق السياسات بين الحكومة المركزية والحكومة المحلية.

5. الفيدرالية:

بدايةً يجب ان نفهم من مصطلح الفيدرالية هو النظام الاتحادي و كلمة “الفيدرالية” تأتي من الكلمة اللاتينية “foedus”، والتي تعني “عهد” أو “ميثاق”. يشير أصل الكلمة إلى فكرة الاتفاق أو العقد بين جهات أو أطراف متعددة للاتحاد مع الاحتفاظ باستقلالها الذاتي في بعض الجوانب. 

تُشتق كلمة “Federalism” في اللغة الإنجليزية واللغات الأخرى من هذا الجذر، وتشير إلى النظام الذي يقوم على اتحاد الأطراف (مثل الولايات أو الأقاليم) تحت مظلة حكومة مركزية.

وإذا ما عرّفنا الفيدرالية فهي نظام اتحادي يتم فيه تقسيم السلطة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم أو الولايات، بحيث يتمتع كل طرف بسلطات مستقلة في مجالات محددة. تُعتبر الفيدرالية واحدة من أكثر الأنظمة تطورًا في توزيع السلطة، حيث يتم تمثيل الأقاليم في الحكومة المركزية، وتُعد كل منطقة أو ولاية ذات سيادة في مسائل معينة.

يتصف هذا النظام بخصائص حيث يتم تقسيم السلطة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم، وأنه عادةً ما يكون هناك دستور فيدرالي ينظم العلاقة بين المركز والأقاليم ويحدد السلطات بشكل محدد مع وجود دستور او قانون أساسي لكل اقليم من الأقاليم. أضف على ذلك وجود مجالس أو برلمانات إقليمية لكل إقليم أو ولاية مع وجود حكومة منبثقة لكل اقليم او ولاية لها سلطات واسعة فيما يخص الإقليم او الولاية مع بعض القيود الخاصة بالسيادة مثل الخارجية والدفاع والمالية.

وإذا ما راجعنا الفيدراليات او الاتحادات التاريخية نجد ان تتكون بطريقتين وهما:

اما ان تتحد دولتان ذات سيادة كاملة في نظام فيدرالي او اتحادي كما حصل مع سوريا ومصر سنة ١٩٥٨ م، او ان تتحول دولة ذات سيادة مركزية إلى نظام فيدرالي وذلك نتيجة الاختلافات في البنية الاجتماعية سواءً كانت مبنية على العرق او الدين وهذا ما حصل في العراق عندما تحول إلى نظام اتحادي مكون من إقليمين هو اقليم العراق وإقليم كردستان. 

من تطبيقات الفيدرالية:

حقيقة ان هناك في دول العالم دولاً كثيرة تتبع النظام الفيدرالي لما له من سمات وميزات كثيرة من العدالة والمساواة والضمان الاجتماعي وخاصة إذا كانت الدولة متعددة الأعراق والأديان والمذاهب و تُعتبر *الولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا و الهند و كندا من أبرز الأمثلة على تطبيقات النظام الفيدرالي. في هذه الدول، حيث تتمتع الولايات أو الأقاليم بسلطات قانونية خاصة، بينما تظل الحكومة المركزية مسؤولة عن القضايا الوطنية الكبرى مثل الدفاع والعلاقات الخارجية.

مزايا وعيوب الفيدرالية:

حقيقة ان هذا النظام يتمتع بمزايا كثيرة نذكر منها أنها تنشئ إدارة محلية فعالة فيسمح بتخصيص القرارات وفقًا لاحتياجات كل إقليم، وأنه يتيح تمثيلًا سياسيًا للأقاليم في الحكومة المركزية بما يتوافق مع حجم هذا الإقليم وإمكانياته مما يتيح الأقاليم حرية تبني سياسات مختلفة تتماشى مع خصوصياتها.

وإذا ما قارننا بين مزايا هذا النظام وعيوبه نجد ان عيوبه قليلة جدا فهو من ناحية ربما قد تؤدي إلى تفاقم الانقسامات بين الأقاليم وهذا نادراً ما حصل على مر التاريخ الحديث. وكذلك قد يسبب التداخل بين السلطات المركزية والمحلية تعقيدات قانونية واجراءات ادارية طويلة نوعاً ما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
محمد عباس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى