هل ستنجح دبلوماسية ربطات العنق، في زمن دبلوماسية المصالح؟

علي مسلم
كانت أنقرة المحطة الخارجية الثانية للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، بعد زيارته الأولى لعاصمة المملكة العربية السعودية الرياض مطلع شباط الحالي، وذلك بعيد تسلمه مقاليد الرئاسة نهاية شهر ديسمبر الفائت، وبغض النظر عن توقيت الزيارة وأهميتها، إلى أنها تحمل في طياتها العديد من الدلالات الاستراتيجية، أهمها أن قيادة دمشق بالرغم من أنها تضع في مقدمة أولوياتها العمق العربي والتي تمثلها الرياض بالإضافة الى بعض العواصم العربية الأخرى، إلى جانب أهمية دول الخليج في دعم وتمويل مسألة إعادة الإعمار في سوريا، والتي تعد من أبرز التحديات التي تواجه مسار إعادة هيكلة الدولة وتنشيط البنية التحتية المتهالكة، إلا أنها في عين الوقت ترى في أنقرة الحليف الاستراتيجي، والتي لا يمكنها التغاضي عن دورها وأهميتها، سيما وأن تركيا كانت حاضرة في مجمل تفاصيل وجزئيات التحول الدراماتيكي الذي حصل في سوريا، ناهيك عن دورها في قضية إيواء الملايين من اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى العديد من المشتركات الجيوسياسية الأخرى.
وإذا كانت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تحمل في حقائبها ما تحتاجها سوريا من أموال لإعادة بنائها وإعمارها، فإن تركيا لديها ما يكفي من الأوراق الحاسمة، كي تكون حاضرة بقوة في مستقبل سوريا، والمساهمة في إعادة إعمارها، ولا يمكن أن يحدث ذلك دون الانخراط التركي الواسع والمباشر في هذه المعادلة، هذه الحقيقة تدركها قيادة دمشق، لهذا فهي ماضية في هذا السياق مع محاولة الحفاظ ما أمكن على هذا التوازن على الأقل في مستوى العلاقات الإبتدائية بينهما، بل ربما ستسعى مستقبلاً الى إزالة كافة العراقيل التي تقف في وجه التقارب السعودي التركي، وتخفيف وطأة المنافسة الجيوسياسية بينهما، وذلك في سياق الصراع على النفوذ، وهي ربما تكون ضرورة موضوعية تمليها الظروف والمعطيات الموجودة، وذلك وفق المنظور الحالي التي تنطلق منها قيادة دمشق، فبقدر تخفيف حدة هذا الصراع على الأرض تكون المقدمات الأولية ضامنة لعودة التوازن إلى سوريا، وستكون النتائج أكثر إيجابية لترتيبات بناء سوريا، وبالتالي ستخفف من تبعات هذا التنافس مستقبلاً وسط حتمية استمرار هذا التنافس ضمن المدى المنظور، سيما بعد سقوط النظام، وتراجع الدور الإيراني، وانكماشها ضمن حدودها الطبيعية.
من جهة أخرى تسعى المملكة العربية السعودية للاستفادة من دعوات التطبيع الكامل مع دولة إسرائيل، وذلك بعد حلحلة الوضع الفلسطيني في قطاع غزة، والتي باتت تواجه تحديات جديدة، مقابل ذلك تسعى تركيا عبر تحالفها مع قطر الى قطف ثمار ما سعت إليها خلال السنوات العشر الأخيرة، وبالتالي توليف مجمل المسارات العسكرية والاقتصادية في سوريا وفق مصالحها، والتي قد تصطدم ربما مع الرغبة الإسرائيلية والتي ترى في مسألة الدعم التركي لحركة حماس عثرة أمام إعادة ترتيب الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط ، وبالتالي جعل ورقة دعم قوات سوريا الديمقراطية حاضرة في استراتيجيتها الحالية ضمن المدى المنظور، لهذا من غير المتوقع أن تبقى غمامة الخلاف بين تركيا واسرائيل معرقلة للتوافق بين دول الخليج وتركيا، فقد ذهبت بعض التحليلات التي تناولت هذا الشأن مؤخراً “بأن العلاقة بين تركيا و”إسرائيل” لم تشهد انقطاعًا تامًا رغم التوتر الكبير بينهما، إذ تستمر صادرات النفط عبر تركيا بالمرور إلى “إسرائيل”، ومع دخول اتفاقية وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة بدأ بعض المسؤولين الاتراك بالتلميح إلى إمكانية عودة العلاقات التجارية من جديد؛ لذا فلا يمكن الحكم على أن “إسرائيل” ستستمر باتخاذ كل الخطوات الممكنة للإضرار بتركيا، وقد يتفقان على صيغة مُعيّنة لإيقاف هذا التوتر، الأمر الذي قد ينعكس إيجابياً على الساحة السورية”
على العموم تسعى قيادة دمشق في الحفاظ على شكل ما من التوازن في علاقاتها مع كل من دول الخليج وتركيا، وهذا ربما قد يساعدها في تثبيت دعائم حكمها، بما في ذلك إعادة إعمار سوريا وذلك بالاعتماد على الأموال الخليجية من جهة، والاستفادة من خبرات وإمكانات الشركات والاستثمارات التركية من جهة أخرى، فهل ستزيل ألوان ربطة العنق هواجس بعض الدول تجاه بعضها الأخرى، أم أننا أمام مجرد نمط دبلوماسي غير ذي جدوى، بمسمى دبلوماسية ربطات العنق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
علي مسلم