أخبار الحركةبيانات و توضيحات

قراءة في المشهد السياسي

حركة آزادي الكُردستاني في سوريا:

قراءة في المشهد السياسي

تميز المشهد الدولي مؤخراً بمحاولات دولية لتحريك موازين القوى والتأثير على المعادلات الدولية التي تشكل الساحات الإقليمية امتداداً استراتيجياً لها. فبعد أسبوعين من قمة آلاسكا التي جمعت في منتصف شهر آب الماضي بين الرئيسين الأمريكي والروسي انعقدت في مطلع شهر أيلول المنصرم قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين الصينية. وإذ بدت قمة آلاسكا بعيدة عن النتائج المرجوة من الطرفين رغم أهميتها زمانياً ورمزيتها مكانياً حيث فشلت في إطلاق مسار تسوية للحرب في اوكرانيا، فإن لقاء تيانجين الذي جمع قوى دولية تمثل نحو نصف سكان العالم (الصين، روسيا، الهند، كوريا الشمالية ..) بما تمثله من وزن سياسي واقتصادي وعسكري يسعى إلى التوجه نحو تعددية قطبية وإنهاء استفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالتحكم بالملفات الدولية والإقليمية.

فالنظام الدولي إذاً يسير نحو التصادم بدلاً عن التوافق، حيث يشهد صعوداً آسيوياً في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، مع العودة إلى حرب باردة جديدة، عمادها التجارة والتكنولوجيا وسباق التسلّح، وبالرغم من إعادة الإدارة الأمريكية العمل بمسمى وزارة الحرب كلقب ثانوي لوزارة الدفاع وما يعني ذلك من إظهار القوة وما يحمل من رسالة عن الاستعداد والعزيمة على مبدأ «تعزيز السلام من خلال القوة» فإن هنالك تجنباً للخيار العسكري بسبب توازنات الردع النووي.

وفي ظل مواصلة كل من الصين والهند شراء النفط الروسي ومساهمتهما بذلك في تمويل الحرب الروسية على اوكرانيا، لم تتوقف حتى بعض دول الناتو عن شراء الطاقة الروسية ومنتجاتها. لذا فإن الموقف الأمريكي إزاء الحرب على اوكرانيا بدأ يتجه نحو التشدد بعد فشل جهود الرئيس ترامب في إنهاء تلك الحرب، وهذا ما يقف وراء الانتقاد الأمريكي لمواقف بعض الدول الأوروبية والتهديد بفرض جولة قوية من الرسوم الجمركية، فالدول الأوروبية تواجه تحدي تراجع الثقة بالاعتماد على الحليف الأمريكي في أمنها القومي، واستنزاف اقتصادي ومالي نتيجة استمرار الحرب في أوكرانيا، كما تواجه تحدياً غير مسبوق في ضرورة التوازن بين زيادة الإنفاق الدفاعي وبين متطلبات الإنفاق على الدعم الاجتماعي، ويبدو أن هذا ما تفهمته الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة لجهة الحاجة الأوروبية إلى الطاقة النفطية، لذا شهد الثلث الأخير من شهر أيلول – وتحديداً في الذكرى السنوية الثامنة للاستفتاء التاريخي في إقليم كوردستان – اتفاقاً بين حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان والشركات الدولية لإعادة فتح خط أنابيب العراق – تركيا، وقد توسطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تعزيز هذه الشراكة الاقتصادية المتبادلة المنفعة بين الولايات المتحدة والعراق، والدفع نحو توفير بيئة استثمارية أكثر استقرارًا في جميع أنحاء العراق للشركات الأميركية، وتعزز أمن الطاقة الإقليمي، كما أن هذا الاتفاق يفيد تركيا كمنطقة عبور، ويفيد الدول الأوروبية كمصدر للطاقة يخفف عنها الانتقادات الأمريكية كما يقلل من الطلب على الطاقة الروسية.

إذاً تبدو القارة الأوربية مشغولة بالحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية التي تقتضي بقاء العلاقات مع المجموعة الأسيوية مع تمتين التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية إن بالنسبة لحلف الناتو أو على صعيد المصالح المشتركة المتعلقة بملفات الطاقة والأمن والتجارة وكذلك الأزمات التي لها أثر مباشر أو شبه مباشر على أمن أوربا ومصالحها الحيوية كالحرب الروسية على اوكرانيا وقضايا منطقة الشرق الأوسط، فإذ يلقي الصراع الدولي بآثاره على الأزمات الإقليمية فإن هذه الأخيرة باتت تشكل امتداداً وجزءاً من ذلك الصراع، لذا فإن الحرب الروسية على أوكرانيا باتت هماً دولياً وخاصة بالنسبة للساحة الأوربية التي تتحمل جزءاً كبيراً من تداعياتها وتتخوف من مآلاتها، كما باتت صراعات الشرق الأوسط جبهات إقليمية ودولية بالوكالة، تشتعل وتخمد بحسب درجة التوافق أو التصعيد بين القوى الدولية والإقليمية. وعلى هذا فإن إيران بدت حلقة ضعيفة في هذه المنطقة وقد دفعت ثمناً باهظاً نتيجة تعنتها وإصرارها على مناطحة قوى لا قِبَل لها بها فخرجت من الساحة السورية خالية الوفاض كما تم ضرب أذرعها في غزة ولبنان، ما أدى إلى تغيير جذري في المعادلة التي سادت في المنطقة لعقود من الزمن. وبالرغم من سعيها للعودة إلى ساحة التأثير فإن المجتمع الدولي يترصدها، إذ أن إيران نووية، تحكمها قيادة دينية متطرفة وتمتلك أسلحة نووية محتملة وصواريخ قادرة على إيصال تلك الأسلحة لمسافات بعيدة، تُشكل خطرًا على العالم أجمع. فبمناسبة الذكرى الثالثة لاستشهاد جينا أميني جددت الولايات المتحدة الأمريكية تهديدها للنظام الإيراني معتبرةً أن اسم جينا لن ينسى، وأن مقتلها وجرائم أخرى كثيرة إدانة دامغة لجرائم هذا النظام ضد الإنسانية، ومتعهدةً بمواصلة العمل مع حلفائها وشركائها حول العالم لضمان محاسبة النظام الإيراني على فظائعه ومواجهته بالعدل والحزم. وتلا هذا نشاط دولي مكثف ضد إيران حيث أعادت الأمم المتحدة فرض عقوبات وقيود أخرى عليها بموجب ستة قرارات صادرة عن مجلس الأمن (القرارات رقم 1696 و1737 و1747 و1803 و1835 و1929)، استنادا إلى تخلف إيران عن الوفاء بالتزاماتها النووية، ويستكمل إجراء إعادة تنشيط العقوبات عملية إعادة فرض العقوبات التي تم إطلاقها في نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، ضمن خطوة تعد بمثابة دليل على القيادة الدولية الحازمة التي تتولاها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة. وقد تناولت الأحكام الواردة في القرارات المذكورة التهديدات التي تشكلها أنشطة إيران ذات الصلة بالأسلحة النووية والصواريخ البالستية والأسلحة التقليدية والأنشطة المزعزعة للاستقرار، وخاصةً تعليق إيران أنشطة تخصيب اليورانيوم والماء الثقيل وإعادة المعالجة، ومنعها من استخدام تكنولوجيا الصواريخ البالستية، وحظر تصدير الأسلحة التقليدية إلى إيران، وإعادة فرض حظر السفر وعمليات تجميد الأصول الدولية الخاصة بالأفراد والكيانات المدرجة على القوائم، والسماح بمصادرة الأسلحة وغيرها من الشحنات المحظورة التي يتم نقلها إلى إيران لصالح جهات فاعلة تابعة أو غير تابعة للحكومة.

ولم يكن إنهاء نظام الأسد في سوريا سوى جزء من انزياح القوى الإقليمية إلى مواقع جديدة لينجم عن ذلك توازن إقليمي جديد ما يزال العمل عليه جارياً. وفي هذا السياق يمكن قراءة المشهد في غزة والضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حماس في قطر في التاسع من أيلول المنصرم بالرغم من لعب الدوحة دور الوسيط بين حماس وإسرائيل، ويبدو أن الأخيرة سئمت من العملية التفاوضية التي تتبعها حماس كوسيلة للبقاء وإطالة عمرها ودوام سلطتها ولو على الركام وأشلاء الدماء الفلسطينية، بينما تريدها إسرائيل لثلاثة أهداف: إطلاق سراح جميع الرهائن، نزع السلاح من القطاع والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وإقامة حكومة مدنية بديلة لا تهدد إسرائيل، وهذا ما تشترطه إسرائيل لوقف الحرب، وتؤيدها في هذا الموقف الولايات المتحدة الأمريكية التي عارضت في 12 أيلول المنصرم التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي أيّد إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية لمسألة فلسطين وتنفيذ حل الدولتين. ورأت واشنطن أن هذا القرار يؤدي إلى «مكافأة حماس وإطالة أمد الحرب وتقويض الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحرير الرهائن وإنهاء المعاناة في غزة» وأن إعلان نيويورك ينطوي على «مساواة أخلاقية تثير القلق، ولا يعترف بحقيقة أن إرهاب حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان السبب في ضرورة هذه الحرب، وأن رفضها إطلاق سراح الرهائن ونزع سلاحها هو السبب في استمرارها». كما حذّرت واشنطن من أن ذلك يُصعّب التفاوض لأنه يُعتبر تشجيعاً لحماس، كما حذرت من ردّ فعل إسرائيلي مضادّ. وجاءت الخطة الشاملة للرئيس الأمريكي ترامب لإنهاء الصراع في غزة في نهاية شهر أيلول لتقضي على آمال حركة حماس في الاحتفاظ بسلطتها على القطاع، فقد وضعت الخطة ترتيبات وإجراءات سياسية وعسكرية وأمنية وإدارية واقتصادية وانسانية ليصبح قطاع غزة منطقة خالية من التطرف والإرهاب ولا تشكل أي تهديد لدول الجوار، ومن أجل هذا الهدف لا بد من أن تنتهي الحرب ويتم الإفراج عن الرهائن وتوافق حركة حماس والفصائل الأخرى على عدم لعب أي دور في حكم غزة ويخضع القطاع لحكم انتقالي مؤقت من قبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية وغير سياسية تحت إشراف هيئة انتقالية دولية تضع الإطار العام لإعادة إعمار غزة وتمويلها، إلى حين تستكمل السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي، كما ينبغي إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة للانتشار في غزة تقوم بتدريب ودعم قوات الشرطة الفلسطينية المعتمدة في غزة، وتتضمن الخطة في نهايتها تأكيداً على أن يتم إطلاق عملية حوار بين الأديان قائمة على قيم التسامح والتعايش السلمي، وأنه مع تقدم عملية إعادة إعمار قطاع غزة واستكمال برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية قد تتوافر أخيراً الشروط اللازمة لمسار موثوق يفضي إلى تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية، وأن تقيم الولايات المتحدة حوارا بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي والازدهار المشترك.

وبالرغم من تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية على ضرورة مواصلة تعزيز الاتفاقات الإبراهيمية والبناء عليها وتوسيع نطاقها، وذلك في الذكرى السنوية الخامسة لها، فإن المشهد الإقليمي يبدو مفتوحاً على تصعيد جديد وحروب محتملة، وخاصة في ظل الصراع الإسرائيلي – التركي على المنطقة عموماً وعلى الساحة السورية على وجه الخصوص، وتبلور هذا الصراع بعد انكفاء الدور الإيراني وانحسار الدور الروسي، وفي هذا السياق يمكن قراءة الضرب الإسرائيلي المتكرر لمواقع عسكرية تركية داخل سوريا، كما يمكن رصد السياسة الخارجية للحكومة السورية الانتقالية التي تحاول اللعب في المنطقة الرمادية متجنبةً الانزلاق إلى طرف دون آخر، خاصة وأنها تسعى في عملية تكريس حكمها إلى إرضاء الخارج دون أخذ المعادلة الداخلية بعين الاعتبار، حيث بدأت السلطة الانتقالية في دمشق منذ استيلائها على الحكم قبل حوالي عشرة أشهر بإقصاء جميع القوى السياسية وتعبيرات المجتمع السوري المتنوع وفرضت رئيساً للبلاد بقرار من فصائل عسكرية وفصّلت مؤتمراً شكلياً للحوار الوطني مناسباً لمقاسها وشكلت حكومة ذات لون واحد لا تمثل سوى القوة العسكرية المهيمنة التي عينت «شيوخاً» تابعين لها في مختلف المؤسسات والإدارات وحتى في الجوامع والحارات ليشكلوا سلطة موازية لا تترك لسلطات الدولة مجالاً لممارسة صلاحياتها دون موافقتهم. وتأتي عملية تشكيل «مجلس الشعب» المقررة في الخامس من شهر تشرين الأول القادم لتستكمل مسار الإقصاء وتفرض سلطة تشريعية وحيدة اللون مسلوبة الإرادة. وكانت حركة آزادي قد وصفت هذه العملية كمسرحية سياسية تهدف إلى شرعنة واقع لا يمثل إرادة السوريين، إذ أنها تفتقد التوافق الوطني وتخالف قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤ نصاً وروحاً، كما تستثني ملايين المهجّرين والنازحين، وتقصي قوى ومكونات أساسية من المشاركة في تقرير مصير البلاد، كما أنها تحرم محافظة السويداء ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بحجة أنها «غير آمنة»، وهذا يؤكد أنّها خطوة شكلية بعيدة عن متطلبات الحل السياسي الحقيقي الذي لا يكون عبر إعادة تدوير السياسات السلطوية القديمة، بل من خلال مسار وطني توافقي شامل تشارك فيه كل القوى والمكونات السورية بإرادتها الحرة، وصولاً إلى سوريا ديمقراطية، تعددية، اتحادية، تحفظ حقوق الجميع وتفتح الطريق أمام مستقبل من السلام والكرامة والازدهار.

وكان من بين أبرز العناوين التي تصدرت المشهد في جنوب سوريا ذلك اللقاء الذي جمع وزيري خارجية كل من سوريا والأردن في دمشق منتصف شهر أيلول المنصرم بحضور المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا استكمالًا للمباحثات التي جرت في عمان في أواسط شهر آب الفائت 2025، لبحث تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء وحل الأزمة هناك. واعتمد الاجتماع «خارطة طريق لحل الأزمة في السويداء واستقرار الجنوب» التي اتفقت البلدان الثلاثة على تطبيقها، وتضمنت الخارطة قيام لجنة التحقيق المستقلة الدولية الخاصة بسوريا بإجراء تحقيق حول ما جرى في محافظة السويداء مؤخرًا، والتزام الحكومة السورية بمحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات فيها واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق كل من تشير الأدلة إلى ارتكابه انتهاكات أو كان طرفًا في ارتكاب التجاوزات ضد المدنيين وممتلكاتهم، وتأمين استمرار إيصال كميات كافية من المساعدات الإنسانية والطبية للمحافظة، وبالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة المعنية ودول أخرى، وإعادة كل الخدمات الأساسية في المحافظة ودعم جهود تأمين التمويل الكافي من المانحين الدوليين، وسحب كل المقاتلين المدنيين من الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، ونشر قوات شرطية على الحدود الإدارية للمحافظة، ودعم جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر لاستكمال إطلاق كل المحتجزين والمختطفين وتسريع عملية التبادل، وقيام الأردن والولايات المتحدة بدعم جهود تحصيل الدعم اللازم لإعادة بناء القرى والممتلكات المتضررة، وقيامهما أيضاً بإيجاد توافق بين دمشق والسويداء لوضع ترتيبات أمنية وإدارية تتضمن خططا لتشكيل قوة شرطية محلية خاصة بمحافظة السويداء، وتفعيل كل المؤسسات المدنية الإدارية في المحافظة، وتشكيل مجلس محافظة من قبل المجتمع المحلي في السويداء، واستكمال إطلاق سراح جميع المحتجزين والمخطوفين وتعداد المفقودين وتحديدهم، وإدارة تدفق المساعدات للمحافظة، والتوافق على خارطة طريق للمصالحة مع الحكومة. إلاً أن الملفت للنظر في الخارطة المذكورة هو ما جاء في البند الثاني عشر الذي ينص على أن «تعمل الولايات المتحدة، وبالتشاور مع الحكومة السورية، على التوصل لتفاهمات أمنية مع إسرائيل حول الجنوب السوري تعالج الشواغل الأمنية المشروعة لكل من سوريا وإسرائيل ..»، ما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المكلفة والمخولة بإيجاد التفاهمات الأمنية بين سوريا وإسرائيل، وأن الجانب السوري لا يملك سوى دور استشاري في هذه العملية.

وفي إحاطته لمجلس الأمن الدولي حول الأوضاع السياسية والإنسانية في سوريا في 18 أيلول أكد مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا گير بيدرسون قبيل استقالته أنه «لكي ينجح قادة سوريا الجدد ويحافظوا على الدعم الدولي، عليهم ضمان أن يكون لكل سوري صوت في كيفية حكم بلده، وأن يحظى كل سوري بالحماية بغض النظر عن عرقه أو دينه، وأن يكون هناك عدم تسامح مطلق مع الانتهاكات، بغض النظر عن الجاني أو الضحية». إلا أن المشهد السوري يسير نحو مزيد من التفكك الداخلي وتآكل الشرعية، حيث ما تزال المجازر التي ارتكبتها قوات تابعة للسلطة في منطقة الساحل في مارس/ آذار الماضي بحقّ مدنيين تخيم بظلالها على المشهد إذ تم الإعلان عن تشكيل مجلس سياسي يطالب بالفيدرالية، كما لا تزال محافظة السويداء تعاني من حصار خانق مع عرقلة دخول المساعدات إليها حيث يتدهور الوضع الإنساني، ما يعمّق القطيعة مع المركز ويصعد بروز أصوات محلية تطالب بكيان مستقل، وهذا ما يعني فشل السلطة في معالجة الأزمات الوطنية ويدلل على حالة الفراغ السياسي وعمق الأزمة الوطنية الراهنة.

وفي ظل عودة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى التذكير بالقرار الأممي 2254 لعام 2015 كأساس للحل السياسي في سوريا، مع إبقاء الكونغرس الأمريكي على العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر، تتجاهل السلطة الانتقالية ذلك وتحاول العمل على خطين: الأول، سعيها لكسب الشرعية من الخارج، وفي هذا السياق يمكن تفسير سعيها لتطبيع العلاقات مع روسيا لدفع الأخيرة للعب دور موازن للنفوذ الإسرائيلي في سوريا، وكذلك النشاط الكبير الذي بذلته السلطة في الدورة الثمانين لمنظمة الأمم المتحدة وإلقاء الرئيس الانتقالي كلمة أمام جمعيتها العامة، إلا أن كل تلك الجهود لم تثمر عما كان مأمولاً، وخاصة لجهة الاتفاق المزمع عقده مع الجانب الإسرائيلي بشأن الأمن الإقليمي والمحافظات الجنوبية الثلاث التي ستخرج عن سيطرة دمشق عملياً في حال الوصول إلى اتفاق مع إسرائيل، ما سيشكل سابقة قد تتمخض عن تداعيات تجعل الكيان السوري في خبر كان. أما الخط الثاني فهو الترويج لوجود استثمارات مقبلة إلى سوريا، أو ادعاء القدرة على تأمين دعم مالي محلي للمشاريع، من خلال فعاليات ما سمي «صندوق التنمية»، ما يكشف تراجع الدعم المالي الخليجي، فالمشاريع الاقتصادية التي تتحدث عنها السلطة، تبدو كمحاولات للتعمية على واقع غياب الدعم الخارجي الحقيقي، وغياب الثقة بالسلطة وقدرتها على النهوض بأعباء الدولة والمؤسسات.

وتشكل القضية الكُردية أبرز تجليات الأزمة الوطنية السورية، فلا تزال السلطة الانتقالية تتجاهل حقيقة الوجود الأصيل للمكون القومي الكُردي الذي يمتد حيزه الجغرافي على كامل الشمال السوري كما يمتد حيزه الديمغرافي إلى العمق السوري بما فيه العاصمة دمشق، وتحاول هذه السلطة تقزيم القضية الكُردية وحصرها في نطاق صراعها مع مناطق الإدارة الذاتية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وحصر التفاوض حولها مع ممثلي الإدارة الذاتية التي تركز على سبل وآليات اندماج قسد ومؤسسات الإدارة الذاتية مع الجيش السوري ومؤسسات الدولة السورية وانطلاقاً من اتفاق العاشر من آذار الماضي بين الرئيس الانتقالي وقائد قسد. إلا أن القضية الكُردية لا يمكن أن تُحَلّ إلاّ من خلال التفاوض مع الوفد الكُردي المنبثق عن كونفرانس وحدة الموقف والصف الكُردي المنعقد في 26 نيسان الماضي واستناداً على الوثيقة التي اعتمدها، وفي هذا الصدد نؤكد مجدداً في حركة آزادي على ضرورة بناء مؤسسي لمرجعية كُردية تتمثل فيها جميع مناطق كُردستان سوريا،
وكذلك تعبيرات المجتمع الكُردي في كافة أرجاء سوريا، وتشكل مرجعية للعملية التفاوضية في جانبها الكُردي، كما تعتبر مظلة للبناء الحوكمي للإقليم الكُردي في إطار سوريا الاتحادية، وتقوم هذه المرجعية بمهام تمثيل الشعب الكُردي في سوريا وضبط أداء حركته السياسية، وتوجيه العمل التفاوضي واعتماد نتائجه، وشرعنة خطوات وآليات وهياكل الحوكمة بشقها الكُردي في سياق ترتيبات المرحلة الانتقالية على الصعيد الوطني.

في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2025
الهيئة التنفيذية
لحركة آزادي الكُردستاني في سوريا

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى