في تلازم المسارات الاقليمية وترابطها

الشرق الأوسط أمام تحديات سياسية غير مسبوقة
علي مسلم
بالنظر إلى المشهد السياسي الإقليمي المتقلب، وما يرافق ذلك من تبدلات دراماتيكية، وتأرجح مساراتها بين التصعيد تارة، والانفراج النسبي تارة أخرى، يتبادر إلى الذهن مباشرة الخلفيات السياسية والتاريخية التي أنتجت كل هذا التباين، وأسبابها البعيدة والقريبة، والحرص الشديد للإبقاء عليها، وبالتالي إطلاق العنان للقوى الإقليمية والدولية لإعادة تموضعها في تفاصيل هذا المشهد بغية خلط الأوراق ما أمكن للخروج بمكاسب سياسية إضافية، وذلك دون الانخراط المباشر في المواجهات العسكرية طالما أن ذلك بات ممكناً في ظل توازي المسارات وتداخلها، وبالتالي إمكانية التحكم بأوجه الصراع فيها، ففي نهاية الأمر تبقى المسارات كلها خاضعة لغرفة عمليات واحدة، والتي تحاول وضع إطار متماثل لوجهتها، فثمة علاقة عضوية إذاً بين مسار السلام في غزة، ومثيله بين تركيا وأكرادها، بما في ذلك جيرانها من كرد سوريا، هذا المسار الذي يظهر تعبيراته في سوريا بين رأس النظام الإنتقالي في دمشق من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا من جهة أخرى، إلى درجة أن كل تصعيد في أي مسار منهما، يقابله تصعيد مماثل في المسار الآخر، وكذلك الأمر بالنسبة لـ بوادر الانفراج المدفوعة بالقوة كما حصل في قمة شرم الشيخ للسلام مؤخراً، حيث أن كلا المسارين يقودهما لوبي واحد، ذاك الذي يتربع على عرش القوة خلف البحار، ويحاول إقتناص الفرص عبر ادواته الإقليمية، حينما تبدو الظروف سانحة، ليبرم صفقاته السياسية الموسومة بالمنفعة، بغض النظر عمن يدفع الثمن، وعمن يقبض.
وبالتوازي مع ذلك يلتقي فاعلي المسارات الأساسيين في ميادين المصالح كلما تدعو الحاجة إلى ذلك، دون النظر إلى ماهية المصالح وحدودها، وما يترتب عليها من تبعات جيوسياسية، فهم في نهاية المطاف ليسوا مختلفين، ويجمعهم حزمة متشابكة من المصالح والقضايا.
وبناء على ما جرى من وقائع وأحداث بعد ما سمي بطوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، وخروج المحور الإيراني برمته من معادلة الصراع في الشرق الأوسط، يمكن التسليم ولو مؤقتاً بأن وجهة الصراع الجيو سياسي على سوريا باتت محصورة بين إسرائيل التي ما انفكت تبحث عن موطئ قدم يحقق لها قدراً من الأمن، والتي كرست من أجل ذلك إمكانات لوجستية وبشرية هائلة، وخاضت بسببها العديد من الحروب على مدى ما يقارب المئة عام، وذلك في سبيل نيلها الاعتراف، أو الإقرار بأحقية وجودها بين الخصوم بموجب ما ورد في التوراة ” بأن الله قد وعد إبراهيم عليه السلام، وأن أرض فلسطين ستكون ملكاً له و لنسله من بعده” ، وما بين تركيا التي تحاول عبر هذا الصراع أن تستعيد أمجاد الزمن الغابر، زمن الإمبراطورية الواسعة، وحكم السلاطين، وذلك على حساب قضايا أمم وشعوب ناضلت وما زالت تناضل في سبيل نيل حريتها، ومحاولة العيش بكرامة بجوار الأمم الأخرى دون حروب أو سفك للدماء.
والغريب في الأمر أن كلا المسارين يتوقفان عند محطة إجبارية واحدة، وهي نزع السلاح من المناطق المعنية، وبالتالي محاولة فرض السلام بالقوة دون الوقوف على الأسباب الحقيقية لوجود وانتشار هذا السلاح، ومن يقف خلف هذه الظاهرة من دول وكيانات ، وتداعيات ذلك على مستقبل السلم الأهلي وسط هذا الكم الهائل من الخطابات الداعية إلى التطرف وزرع الأحقاد والضغائن، وبالتالي الإبقاء على أبواب النزاع مفتوحة لحين الحاجة.
على العموم لا يمكن الارتهان الكامل إلى هذه الحلول الصورية طالما أنها لا تلامس جوهر القضية، بما في ذلك الوقوف على الأسباب التاريخية التي أنتجت كل هذا الحقد، وستبقى الحلول مبتورة وبعيدة عن جوهر القضايا الحقيقية طالما أنها لا تأخذ إرادة المعنيين بعين الاعتبار، لهذا يمكن التسليم بأن منطقة الشرق الأوسط برمتها تواجه تحديات سياسية غير مسبوقة، وستكون أمام فصول أخرى من النزاعات طال الزمن أم قصر.



