مؤتمر الحوار الوطني السوري – إعادة تسمية الضرورة –

علي مسلم
تتجه أنظار السوريين جميعاً نحو العاصمة دمشق، وكلهم أمل في الاطمئنان الى ما ستؤول إليها الأوضاع السياسية بعد كل هذه السنوات العجاف التي شطبت الحياة السياسية في عموم أصقاع البلاد، تلك الفضاءات السياسية المواربة التي مهدت للاستبداد، وفوضى التسلط، والاستفراد المطلق بالسلطة، والتي أنتجت بدورها كل هذا الدمار والفتك، وفوضى الانتهاكات، ومصادرة الحريات، إلى جانب تشتيت الفضاء الاجتماعي المتجذر، وتفتيت العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة ضمن البيئات السورية المختلفة.
وقد تكللت جهود السوريين أخيراً في الظفر بالسلطة في الثامن من كانون الأول الماضي بعد عقد ونيف من الصراع الدامي الذي دفع فيه السوريون بمختلف تكويناتها الغالي والنفيس في سبيل الظفر بهذا اليوم، هذا النصر الذي قلب موازين القناعات على كافة الصعد، حيث اتجهت مجمل المقاربات قبل ذلك الى أن شكل الحل في سوريا لا بد أن يكون سياسياً، وسياسياً فقط، وأن لا غالب ولا مغلوب في هذا الصراع، لكن إصرار السوريين على حتمية النصر، وضرورة التخلص من حكم العائلة الأسدية، اضافة الى التغييرات الدراماتيكية التي رافقت الحرب في غزة، والتي مهدت لوقف الزحف الإيراني نحو المزيد من التخوم الإقليمية والعربية، ودفعها نحو الانكماش ضمن حدودها، كل ذلك دفعت بالجهات الدولية المتحكمة بالوضع السوري للسماح في فرض خارطة سياسية جديدة، مما أدى الى انهيار المنظومة الأمنية الذي شيدها نظام البعث بالحديد والنار.
ومن خلال تتبع الخطوات الأولية التي أعلنت عنها السلطات الجديدة في دمشق، في سياق إعادة هيكلة الدولة، وتفعيل مؤسساتها، تم طرح موضوع عقد مؤتمر للحوار الوطني السوري، وهي خطوة جوهرية، وصحيحة حسب أغلب التحليلات المهتمة بهذا الشأن، لكنها تبدو مبتورة، وعرجاء، فالسياق المبدئي لهذا الحدث يبدو غامضاً الى حد كبير، مما يضع المعنيين من أبناء سوريا أمام خيارات محفوفة بالقلق، على إعتبار أن هذه الخطوة ستضع اللبنات الاولى لبناء الدولة، وأنها بمثابة الفرصة الإستثنائية الثمينة، وأن المقدمات الإبتدائية الصحيحة هي وحدها قادرة على تدوين النتائج الصحيحة، فالمعضلة الأساسية إذاً تكمن في آلية عقد هذا المؤتمر، ومن سيحضره، وكيف سيتم إتخاذ القرارات، وما هي المعايير التي سيتم تبنيها فيما يخص هوية المدعوين، إلى جانب الفضاءات الديمقراطية المتاحة.
وعلى ضوء ما ترشح من معلومات في سياق منهجية التحضير لهذا المؤتمر، وضيق مساحة الإختيار، والاستعجال غير المبرر، لا بدا من تسجيل الملاحظات التالية:
1- من المفترض أن تنصب الجهود كلها صوب تشكيل لجنة تحضير مركزية. بحيث تضم شخصيات سياسية مقتدرة ونزيهة، وأخرى اجتماعية مؤثرة، إلى جانب مجموعة من الخبراء والمختصين، على أن يكون العدد محدود ولا يتجاوز 15 – 25 شخصاً، بحيث تكون ممثلة لكل الأطياف الوطنية السورية، تبدأ مهمة هذه اللجنة بالتمهيد لعملية حوارية واسعة، وذلك عبر الاستكشاف والتواصل، وجمع المعلومات، ومحاصرة القضايا الوطنية العالقة، والتركيز عليها، وبالتالي فهم التوجهات والمواقف والمصالح العامة، وتوليف مخرجات المؤتمر وفق بوصلة القضايا، ولا بد من التواصل مع الجهات الوطنية الفاعلة، بما في ذلك الكتل السياسية، وكافة القوى والأحزاب الديمقراطية، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات الوطنية المستقلة، ومعرفة وجهات نظرهم من خلال التحليل الأولي، والبناء عليها لاحقاً.
2 – إعتماد جدول عمل توافقي يتضمن أبرز القضايا التي تهم مكونات المجتمع السوري القومية والدينية، و فكفكة القضايا العالقة، ووضع خارطة طريق حلها عبر التفاهم والحوار.
3 – تشكيل مجالس انتقالية مرحلية تمهد لتشكيل حكومة انتقالية، ويمكن إيجازها في مجلس قضائي نزيه وعادل، ومجلس عسكري يختص بإعادة تأهيل الجيش، ومجلس سياسي يرسم خطة لإدارة الدولة، وكذلك مجلس إقتصادي يحدد الخطوات الأساسية لتحقيق تنمية مستدامة، وأخيراً وليس أخراً لجنة دستورية تمهد لكتابة دستور مناسب.
وإذا كانت مرحلة الشرعية الثورية قد بدأت برحيل نظام الأسد ، فلا بد لها أن تنتهي بمرحلة التشريع الدستوري، ولا شيء غير ذلك، وللحديث بقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
علي مسلم