. مراحل تشكيل الرأي العام. مقومات الرأي العام في الدول الحديثة. عوامل تنامي ظاهرة الراي العام

. مراحل تكوين الراي العام
الرأي العام ظاهرة معقدة يصعب تحليلها لتداخل مجموعة من العوامل والمؤثرات المختلفة في تكوينها كمؤثرات سيكولوجية، سياسية، ثقافية، وإجتماعية تتكون من مجموعة من القيم والمعايير التي تحكم إدراك الفرد وسلوكياته، وسنحاول تقديم تصور للمراحل التي يمر بها تكوين الراي العام، وهي كالآتي:
1. مرحلة الاحساس والادراك، وفي هذه المرحلة يتعرض الفرد لمجموعة من المنبهات والمثيرات عن طريق حواسه التي تعد مفاتيح المعرفة وصلاته بالعالم الخارجي والبيئة الخارجية ويبدأ الفرد في إدراك هذه المؤثرات إدراكاً حسياً الا أنها لا تقف عند مجرد إدراكها عن طريق الحواس بل يحاول الانسان ان يدركها كرموز ثم يعطي لهذه الرموز معنى او معاني معينة.
ومن هنا يظهر ان عملية الإدراك ليست عملية سلبية تتلخص في مجرد إستقبال إنطباعات حسية بل يقوم العقل بفعاليات الإضافة أو الحذف أو التحريف وتأويل ما يتأثر به من إنطباعات حسية والمعاني التي يقررها الفرد على ما يدركه من مؤثرات تتحدد إستناداً الى إطاره المعرفي والمرجعي ووفقاً لخبراته الماضية وطريقه فهمة للحياة ودوافعة وحوافزة.
2. مرحلة الرأي الفردي: في هذه المرحلة يقوم الفرد بالتعبير اللفظي بالإشارة عن ميوله وإتجاهاته النفسية حول الموضوع المثار فان الفرد يحدد لنفسه موقفاً معين لهذا الموضوع مؤيداً او معارضاً له وموقف الفرد حول موضوع ما قد يختلف عن الموقف الذي يمكن أن يتخذه الأفراد الاخرون وهذا ما انتهى الية (وولتر ليبمان)، من ان تصرفات الناس وإستجاباتهم لا تكون نتيجة لملاحظات موضوعية عن العالم الخارجي بل في حقيقة الأمر مبنية على التصرفات الذاتية أو الصور الذهنية الكافية في نفوس الناس.
- مرحلة صراع الفرد مع آراء الجماعة: وهنا تدور النقاشات والحوار والجدل الذي يصل الى حد الصراع بين رأي الفرد وآراء الأفراد الآخرين في نطاق جماعة معينة أو جمهور معين ممن لديهم إهتمام بالموضوع وكل منهم يحاول الدفاع عن رأيه مستخدماً في ذلك كل ما يمتلك من معلومات وبالطبع تؤدي وسائل الإتصال دوراً حيوياً في ذلك عن طريق عرض الآراء المختلفة.
- مرحلة تحول آراء الأفراد الى آراء الجماعة: من خلال الحوارات والنقاشات التي تدور بين اعضاء جمهور معين حول موضوع او مسالة ما يتم التقريب بين وجهات النظر المختلفة، وتأخذ المناقشة في الإتجاه نحو التركيز حول رأي معين يميل الية أغلب أعضاء الجماعة أو الجمهور ويصبح هذا الرأي رأياً عاماً بغض النظر عن وجود بعض الآراء الاخرى التي قد يتبناها أقلية من الجمهور وهذه العملية تنطوي على تضحية الفرد برأيه الشخصي أحيانا لكي يتوافق مع رأي الجماعة، وتتدخل في هذه العملية مجموعة من العوامل كرغبة الفرد في التوافق مع الجماعة أو لتحقيق صفة الانتماء الى هذه الجماعة او للتعاطف مع الجماعة.
.عوامل تنامي ظاهرة الراي العام
تضاعفت قوة الرأي العام وتجلى تأثيره في المجتمعات الحديثة لأسباب عديدة، منها:
- قيام التجمعات السكانية الكبيرة.
- انتشار النظم البرلمانية والديمقراطية وحرية إبداء الآراء والانتخابات والتصويت.
- انتشار وتوسع وسائل الاتصال وإستحواذها على إهتمام الجمهور وتخطيها الحدود المكانية والرقابية والتقليدية.
4.انتشار التعليم والمدارس والجماعات ومراكز العلم والتدريب وزيادة نسبة الوعي ومحو الأمية بشكليها الابجدية والتكنولوجية.
. 5. التطور التكنولوجي في الإتصال ونشر المعلومات على صعيد دولي واسع
. مقومات الرأي العام في الدول الحديثة
فيما تقدم من معلومات، تعرفنا على أهمية الرأي العام في المجتمعات، لا سيما الحديثة منها، وبالتالي صار لزاماً علينا أن نتعرف على حيثيات تشكيل الرأي العام والعوامل المؤثرة فيه، ومقومات تشكيله التي تدخل فيها مختلف العوامل، التي سنتناولها فيما يأتي:
أولاً. العادات والتقاليد والقيم المتوارثة
تعكس العادات والتقاليد طبيعة النظام الإجتماعي السائد في المجتمعات، إذ يزداد التمسك بالتقاليد والأعراف في المجتمعات البدائية والفقيرة وتتقبل الشعوب معتقداتها المتوارثة بخيرها وشرها على أساس أنها حقائق مسلم بها لا تقبل الجدل والنقاش، وتشمل هذه المعتقدات نواحي أخلاقية وإجتماعية كانت مثار جدل في أزمنة سابقة ثم انتهت إلى الصورة التي يقبلها الجميع، ويُعد التراث الحضاري والثقافي لكل امة من أهم العوامل التي تؤثر في تكوين الرأي وتشكيله، إذ لا مفر للفرد من أن يتأثر بالعادات والتقاليد والقيم السائدة في المجتمع.
ومن الضروري عدم الخلط بين الرأي العام والقيم المتوارثة الجامدة، فالرأي العام يدور حول مسائل لا زالت موضع جدل ونقاش بعكس المعتقدات العامة التي رسخت عبر العصور في أذهان الجماهير.
ثانياً. الدين
يعد الدين واحداً من اهم مقومات وتشكيل الرأي العام، فهو يعني مجموعة من المعتقدات تؤمن بها جماعة معينة ما وتكون نظاماً متصلاً وتتعلق في الغالب بعالم ما بعد الطبيعة، وأن تأثير العامل الديني في الرأي العام يتجلى في المعتقدات التي يتضمنها والتي يعتقد بها الأفراد المنتمين لهذا الدين، فهذه المعتقدات الدينية تمارس تأثيرها ليس على مستوى الفرد فقط وإنما على مستوى النظام الإجتماعي ككل وعن طريق المؤسسات الدينية، فعلى مستوى الفرد تمارس تلك المعتقدات تأثيرها على اتجاهات الأفراد وآرائهم وأفكارهم وتصرفاتهم، إذ أن الدين قوة كبيرة ذات تأثير مباشر على الأفراد الذين يؤمنون به وذلك عن طريق خطب مواعظ ومعلومات وحقائق لها تأثير كبير على نفوس الأفراد ومن ثم على اتجاهات الرأي العام.
والدين بالنسبة للشعوب من المُسَلمات التي لا تقبل الجدال، وقد أدت الأديان دوراً بارزاً في حياة الشعوب، وظهر تأثيرها في مختلف الشؤون الحياتية للناس، وذلك باعتبار أن الأديان ولا سيما الإسلامية منها لم تقتصر على الشؤون العبادية فحسب بل يصل تأثيرها إلى كل الشؤون الروحية والحياتية، ويُعَد الدين عنصرا أساسيا من عناصر تكوين الرأي العام حيث يؤثر ويفرض نفوذا واسع النطاق حتى على غير المتمسكين به، ويشكل مصدرا من مصادر الرأي العام.
فالمعتقدات تعد أحد مصادر الرأي العام واحد العوامل المهمة المؤثرة في رأي الفرد، فهي تسهم في تكوين الطرق والأساليب المعتادة في النظر إلى الإحداث ومعالجتها والتي تتوقع الجماعة من أعضائها أن يسلكوها بالفعل إزاء قضية، أو موقف، أو مشكلة ما، وتبرز أهمية هذه المعتقدات في جوانب ثلاث هي:
.1 إمداد الإنسان بالمعلومات عما هو حقيقي وما هو مزيف، وما هو جيد وما هو رديء، وعما هو مرغوب فيه وغير مرغوب فيه.
.2 قدرتها على إستثارة العاطفة والتأثير فيها.
.3 كونها إستعدادات للإستجابة فلا بد أن تؤدي بالشخص إلى إتخاذ سلوك أو القيام بعمل ما.
ثالثاً. التربية والتعليم
تسهم المؤسسات التعليمية في تكوين الرأي العام وتشكيله سواء من حيث مضمونه المعرفي أو من حيث اتجاهه وقوته، وللمدرسة تأثير في تكوين الرأي العام للتلميذ من خلال طريقة أو أكثر من الطرق الآتية:
المضمون المنهجي ونوعية الدراسة. .1
التعبير المعلن للمُدرسين عن قيمهم الشخصية داخل الفصول. .2
تشبُه التلاميذ بمدرسيهم وتبنيهم للقيم التي يعتنقها هؤلاء المدرسون. .3
ويحذر المختصون من ظهور إعداد جيل متنافر في التفكير والاتجاهات والأهداف في حال تعدد الجهات المشرفة على التعليم في الدولة وتعدد الآيدلوجيات الموجِهة له.
رابعاً. النظام السياسي السائد داخل الدولة
تؤدي الأوضاع السياسية السائدة داخل الدولة دوراً فاعلاً في تكوين الرأي العام وذلك من خلال:
- النظم الديمقراطية، وفيها تسود حرية الفكر والإعتقاد وإبداء الرأي المخالف علانية بالنسبة للمسائل العامة دون خوف.
- النظم الشمولية، وهي النظم التسلطية التي تقوم فيه السلطة الحاكمة بالتسلط والسيطرة على أفراد الشعب، وتتحكم في آرائهم، وتحد من حقوقهم.
خامساً. الزعامة
تؤدي الزعامة دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام، وفي التأثير على اتجاهاته، ويمكن تلخيص الدور الايجابي للزعامة فيما يأتي:
.1 ابتكار أهداف ووسائل جديدة يقتنع بها المجتمع لحل مشاكله.
.2 الحفاظ على القيم والنماذج التقليدية المحورية التي ثبتت أهميتها.
.3 المبادرة إلى إستخدام كل الوسائل المتاحة لمنع القوى التي تهدد المجتمع بالإنهيار.
ويمكن تصنيف الزعامات، الى ما يأتي:
أ. الزعامة الدينية.
هي زعامة روحية خالصة، ويعتبر الأنبياء والرسل من أبرز الأمثلة لها، إذ تستوعب رسالتهم لأنها تخاطب العقول لتبليغ رسالة السماء، ويمتاز هؤلاء الزعماء بقوة المنطق والأخلاق الحميدة والبلاغة الشديدة وبالتالي يكون تأثيرهم على الجماهير تأثيراً بالغاً.
ب. الزعامة الإجتماعية :
وتظهر في أوقات الشدائد والمحن بالبلاد وتعصف بالأوضاع أزمات تبدو مستعصية على الحلول ومن أمثلة الزعامات الاجتماعية دعاة الإصلاح والعدالة.
سادساً. المناخ الاقتصادي
يتأثر الرأي العام بالأوضاع الإقتصادية والتحولات الناتجة عنها أو المؤثرة فيها، فالعوامل الإقتصادية في مجتمع ما تؤثر في جميع الصعد ومنها الإجتماعية، والسياسية، والثقافية بدرجة أو بأخرى .
فالأوضاع الإقتصادية لها تأثير كبير في كل من نظام الأسرة، الطبقات الاجتماعية، نسق القيم في المجتمع، وبالتالي فهي تؤثر في الرأي العام، والرأي قد يباع ويشترى، إذ ان الكثير من الآراء المعلنة في الحياة الخاصة والعامة قد تكون مدفوعة الثمن، والظروف الإقتصادية قد تحدد آراء الناس إلى درجة كبيرة فيندر أن تجد مشكلة عامة لا يكون للعامل الإقتصادي تأثير فيها على الرأي العام.
سابعاً. الثورات والتجارب والأحداث الهامة
تؤثر التجارب التي تخوضها الشعوب في توجيه الرأي العام للشعب كما تستفيد بعض الشعوب من تجارب البعض الآخر، كتجربة العرب مع الغرب، إذ إن الرأي العام شديد الحساسية بالنسبة للتجارب والأحداث الكبرى كما أن الأحداث الخطيرة تحول الرأي العام من النقيض إلى النقيض في فترة قصيرة.
ثامناً. المناخ الثقافي والإعلامي والفني
المناخ الثقافي والفني والإعلامي الذي يعيشه الإنسان يؤثر تأثيراً بالغاً في تشكيل عقله وتفكيره، وما لم يكن هذا المناخ صحياً سليماً يغذى الناس بالمعلومات والأفكار والقيم والمشاعر السليمة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسود الأمة أو المجتمع الإستقرار، لذا ينبغي على المهتمين بالرأي العام تحديد ما يأتي:
- نوع الجماهير التي يدرسها، هل هي جماهير منقادة، تحكمها الغرائز والعواطف، أم هي جماهير صلبة اعتادت على النقاش قبل تكوين آرائها والانحياز إلى جانب من الجوانب.
- نوع وسائل الإعلام الذي تتابعها، هل هي وسائل ذات تبعية تامة للسلطة أم وسائل مستقلة.
- محاضرة القيت في جامعة المستنصرية في بغداد
الجامعة المستنصرية هي إحدى الجامعات العراقية الحكومية. أخذت أسمها من المدرسة المستنصرية التي أسست في زمن العباسيين في بغداد سنة 1233 على يد الخليفة المستنصر بالله والتي كانت مركزاً علمياً وثقافياً هاماً وهذه الجامعة تعد إمتدادا علميا ومعرفيا لها. تقع في جانب الرصافة من العاصمة بغداد.