أحداث سياسية غيرت تاريخ الكرد في سوريا

مساهمة في سياق تحليل بعض جوانب الأزمة البنيوية للحراك السياسي الكردي في سوريا – الجزء الثاني
التنظيم السياسي الكردي في سوريا – البداية المتعثرة
علي مسلم
من المتعارف عليه عمومًا أن بواكير العمل السياسي الكردي في سوريا كان قد ضم في صفوفه في المقام الأول المنفيين الكرد من تركيا، وذلك على خلفية المظلومية التي لحقت بهم جراء اضطهاد الحكومة التركية لكل ما هو غير تركي ابان الإعلان عن الجمهورية التركية الجديدة ، وهذا ما شكل تهديدًا مباشرًا للكرد داخل وطنهم، وبدأ معها جهود تنظيم الكرد في سوريا سياسيًا من خلال تنظيم تم تشكيله لمواجهة الحكومة التركية بالدرجة الأولى، لهذا واصل القوميون والنشطاء القبليون والمثقفون مساعيهم على الأراضي السورية الآمنة نسبياً مستغلين في ذات الوقت التناقضات السياسية بين تركيا وريثة الإمبراطورية، والفرنسيين الذين فرضوا انتدابهم على سوريا بعد انتصارهم في الحرب. وباشروا بتوطيد الصلات مع مختلف القيادات العشائرية والدينية في سوريا والعراق، واقترحوا تنظيم القيادة الكردية في تنظيم واحد موحد بهدف مواجهة القوات التركية عسكريًا وسياسياً.
بلغت جهود المنفيين الكرد ذروتها في تأسيس جمعية خويبون في عام 1927. وكانت اللجنة التي اجتمعت لتأسيسها رسميا في لبنان مكونة من مثقفين أكراد وزعماء عشائر وشيوخ وعسكريين من تركيا وسوريا والعراق، شرعت المجموعة في توحيد الحركة الكردية حول هدف واحد وهو توحيد جهودهم السياسية وتحويل نضالهم نحو تركيا وتحرير الكرد من مخالبها، في الوقت الذي كان يُنظر إلى الحكومة التركية على أنها “العدو” الأساسي والوحيد للكرد، دون الأخذ في الاعتبار ما يجري من أحداث سياسية تمهد لولادة دول وحكومات في سورية والعراق والتي ساهمت فيما بعد في تهديد الهوية الكردية ووجودها، الى جانب اعتبار سلطات الانتداب الفرنسي على أنها سلطات مؤقتة تحافظ على حدود دولة لامركزية. والعمل على تنمية العلاقات الجديدة التي طورها الكرد مع سلطات الانتداب الفرنسي والبريطاني، وتم حصر جهود المنظمة بحيث تكون موجهة نحو تركيا، دون الالتفاف نحو المكاسب السياسية الممكن تحقيقها في أي جزء من سوريا أو العراق أو إيران. بل بالعكس تم محاولة تطوير العلاقة مع حكومات هذه الدول، واعتبروا أن الحقوق الممنوحة للشعب الكردي من قبل سلطات الانتداب في العراق وسوريا كانت كافية وأنه لا ينبغي تقديم أي مطالب لحقوق سياسية أخرى لهذه الحكومات على الرغم من أن السلطات الفرنسية قد قاومت منح أي حقوق ثقافية أو سياسية محددة للكرد وقتذاك.
وفي هذا الصدد يمكن الإشارة وبوضوح الى الفقرة الرابعة من مقررات المؤتمر التأسيسي لجمعية خويبون والتي اشارت الى ” تأسيس علاقات أخوية دائمة مع الحكومة الإيرانية والشعب الفارسي الشقيق، أما الفقرة الخامسة فقد اشارت الى تأسيس العلاقات الأخوية والجيدة والدائمة مع حكومتي العراق وسوريا، والاكتفاء بالحقوق التي خولتها صكوك الانتداب وغيرهما من المعاهدات الدولية للكرد في هذين القطرين، وعدم المطالبة بأي حق سياسي أخر سوى ما تقدم، ، يضاف الى ذلك أن خارطة الدولة الكردية التي تصورها خويبون لم تشمل المناطق الكردية في سوريا. وتم تبرير الأمر بأن الوضع كان خطيرا لدرجة أن الهوية والأرض الكردية كانتا تحت تهديد الدولة التركية الجديدة، وأن المنظمة تعتمد في عملها على الدعم الضمني من سلطات الانتداب الفرنسي.
لهذا يمكن تسجيل ملاحظة سياسية مهمة على غايات وأهداف خويبون على ان اهتماماتها قد اقتصرت على قضية الكرد في كردستان تركيا، وتم تجاهل قضية الكرد في الأجزاء الأخرى، وهذا بقناعتي ساهم الى حد بعيد في تهميش قضية كرد سوريا وطنياً، سيما بعد تشكيل الدولة السورية، وزاد من شراهة كرد سورية وذوبانهم في سياسات التبعية التي تجذرت في خطاباتهم السياسية منذ البداية، انطلاقاً من شعور عدم الثقة بالتكوين السياسي الكردي في سوريا.
من جانب أخر لم يكن ينظر الى مسألة تقسيم كردستان في سايكس بيكو على انها حقيقة املتها ظروف الحرب ومصالح الدول المنتصرة. بل على العكس تم تجاهل هذا الأمر مما زاد من حجم التورم الوهمي لدى الكرد على انهم قادرين في تجاوز الحدود والتقسيمات التي حصلت. ومع مرور الوقت أفرزت هذه الحالة حقائق لوجستية جديدة أثرت بعمق في مسار التحولات الاجتماعية والسياسية للشعب الكردي، فالمساحة السياسية في كل دولة أثرت بشكل مختلف في كل جزء من أجزاء كردستان، وبالتالي تعرض الشعب الكردي لديناميكيات سياسية اجتماعية اقتصادية، وساهم ذلك في تكوين تنظيمات سياسية مختلفة نتيجة لذلك، واضطرت التنظيمات السياسية في كل دولة إلى التكيف مع سياسات السيادة والأراضي المحدودة والإدارة المركزية. بعد فشل خويبون لم يكن الانتقال إلى التنظيم السياسي القومي الكردي السوري فوريًا. تبع ذلك انسحاب المثقفين القوميين الكرد إلى المجال الثقافي وظهور المزيد من المنظمات والحركات المحلية التي كانت الهوية الكردية فيها أقرب للصدفة أو ثانوية بالنسبة لمصالح القيادة التقليدية.
بالاستفادة من كتاب تاريخ النضال الكردي – روبرت اولسون ترجمة الدكتور احمد محمود الخليل
جمعية خويبون – محمد ملا احمد – رابطة كاوا
يتبع….

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
علي مسلم