رســالة نـوروز

يحلّ علينا شهر آذار بمناسباته العديدة كوردياً، منها ما يذكرنا بمآسي وقعت ومنها ما يبعث على الابتهاج واستنهاض الهمم والاستمرار في الكفاح ومجابهة التحديات.
ويأتي نوروز في الحادي والعشرين من آذار ليفصل بين فصلين ويكون ميقاتاً للاعتدال الربيعي وعيداً يرمز إلى بدايات جديدة يحتفل به بالإضافة إلى الكورد حوالي 300 مليون شخص حول العالم، فهو يشكل احتفالاً بالتراث الثقافي الغني للبشرية وفرصة للجميع للاسترشاد بقيمه المتمثلة في السلام والحوار والتضامن من أجل إعادة تأكيد الالتزام بحقوق الإنسان وكرامته وتعزيز الاحترام المتبادل والمصالحة وحماية كوكبنا والعيش في وئام مع الطبيعة، وبناء عالم أكثر سلاما واستدامة وشمولا للجميع.
ويحتفل الكورد بنوروز كعيد قومي بما يمثّله من معاني النضال من أجل الحرية والانعتاق، لذا وجب الوقوف على دلالات هذه المناسبة والمعاني والدروس التي ينبغي استمدادها منها من خلال استذكارها كتاريخ مستمر ومؤثر في الحاضر والمستقبل. فبِغَضّ النظر عن الفرضيات التاريخية والأسطورية والخلفيات الدينية والطبيعية للاحتفال بنوروز فهو يمثل انتقالا من القديم إلى الجديد، من الشتاء إلى الربيع، من الضعف والانهزام إلى القوة والانتصار، من الأمس إلى اليوم ومنه إلى الغد، فلا دوام للمعاناة ولا خلود للجور والاستبداد، كما يؤكد على أن القوة والنصر يكمنان في اجتماع وتكامل الظروف والإمكانيات لمواجهة الأخطار التي يتوقف دوامها على التأخر في إنجاز ما يناسب المرحلة من صيغ الاتحاد والتلاحم، وأن احتلال نوروز موقعه في اللاشعور الكوردي وبقاءه جزءاً من الذاكرة القومية للكورد قد ساهم في صيانة وجودهم وحضورهم التاريخي كونه نتاجاً روحياً لا يمكن تصور التراث والإرث الثقافي والنضالي الكوردي بدونه. لذا اختار الشاعر الكوردي الكبير أحمد خاني يوم نوروز كملتقى لبطليه العاشقين (مه م و زين)، في ملحمة يمكن اعتبارها البيان القومي الأول. كما كان نوروز أرضية لاستئناف الدعوة القومية على يد الشاعر الكوردي حاجي قادر كويي، ولم يكن جزافاً أن يقوم الخالد الشيخ سعيد بيران باختيار يوم نوروز بدايةً لانتفاضته عام 1925. لذا لا يمكن كوردياً فصل نوروز عن طابعه القومي، بل علينا في هذه المرحلة مواجهة محاولات إفراغ نوروز من محتواه النضالي وطمس الجانب القومي فيه.
يستقبل شعبنا نوروز هذا العام وسط استمرار المأساة السورية المتجددة منذ 13 سنة، حيث تحولت الانتفاضة الشعبية السلمية إلى نزاع مسلح خلّف مئات الآلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى والعاهات وعشرات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً والملايين بين نازح ولاجئ، وسط تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ تتحكم بها قوى خارجية متخالفة وتحكمها ميليشيات لم تقدّم انموذجاً أفضل مما كان، وما يزال المجتمع الدولي مكتفياً بالقرار 2254 الذي يبتعد يوماً بعد يوم عن الواقع السوري المتأزم والأفق الذي تتم إدارة الأزمة باتجاهه، وكل هذا وسط غياب شبه تام ليس فقط لمشروع وطني ديمقراطي بديل مقنع للمجتمع الدولي وللسوريين بجميع مكوناتهم في آن معاً، بل أيضاً لدور فاعل وإرادة جادة للفرقاء السوريين لصياغة بديل يمكنه طيّ صفحة الاستبداد والسير نحو بديل ديمقراطي يضمن حلّاً لجميع القضايا الوطنية.
أما مناطق كُردستان سوريا، فبغضّ النظر عن توزّعها بين مناطق نفوذ مختلفة فإن معاناة أهلنا فيها مستمرة وتزداد شدّة يوماً بعد آخر، ولا تدّخر القوى المهيمنة جهداً في نسف ما تبقّى من مقومات البقاء والعيش الكريم، ليس فقط من خلال النهب والاستغلال والحرمان من أبسط الحقوق، بل والأخطر من خلال ارتكاب الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان. لذا تأتي دعوتنا بضرورة توفير الحماية الدولية لمناطقنا من خلال قرار دولي يضمن خروج جميع العناصر الأجنبية والميليشيات الإجرامية منها ويفسح المجال أمام سكانها الأصليين للتأسيس لحوكمة رشيدة توفّر لهم الخدمات الإدارية والأمنية والحياتية المختلفة وبرعاية ودعم دوليين.
إن حركة البناء الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، إذ تتقدم بأطيب التهاني إلى شعبنا الكوردي في كل مكان وإلى جميع المحتفلين بهذه المناسبة داعيةً إلى أن يكون الاحتفال لائقاً بقيم نوروز ومعانيه، تؤكد على أن تكون هذه المناسبة فرصة لعودة الحوار بين الأطراف السياسية الكوردية الموجودة على الأرض للتفاهم على صيغة من الاتفاق تليق بنضالات شعبنا وتضحياته وتضمن التأسيس لحوكمة رشيدة تلبي مصلحة شعبنا في الحياة الحرة الكريمة على أرضه، كما تمنع الحجج التي يتذرع بها الآخرون للاعتداء على بلدنا وأهلنا. ومن أهم مقومات نجاح وديمومة الاتفاق الكوردي قيامه على أساس وطني وصيانته للشخصية الكوردية السورية واستناده إلى القرار السياسي الكوردي السوري المستقل بعيداً عن التفرّد والاستئثار وعن أية إملاءات أو تدخلات من أي طرف كان.
عاش نوروز رمزاً للحرية والسلام
وكل نوروز وأنتم بألف خير
في 21 آذار 2024
الهيئة القيادية
لحركة البناء الديمقراطي الكوردستاني – سوريا