آراء و ومقالات

الاكراد و حق تقرير المصير


بقلم د. حسين الديك
يعتبر حق تقرير المصير حق جماعي لكل الشعوب والمجموعات الإنسانية بغض النظر عن الاثنية او العرق او اللون او الانتماء او الدين او الثقافة، وهذا ما كفلته الأعراف والقوانين الدولية كافة ، وأصبحت ممارسة هذا الحق واقعا عمليا في كل الشعوب والمجتمعات وخاصة في الدول الغربية ، اذ تلجا تلك الدول الى اجراء استفتاء شعبي عام لتحقيق مطالب شعوبها في تقرير المصير والاستقلال ، وقد مثلت الاستفتاءات الطريق الأمثل لذلك ، واصبحنا نشهد الكثير من الاستفتاءات في دول العالم حول الكثير من القضايا الأساسية والمصيرية ، والتي كان اخر تلك الاستفتاءات استفتاء في بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي ، والذي كان موضع احترام وترحيب من الجميع داخليا وخارجيا.
هذا الواقع الممارس في الدول الغربية والذي يعبر عن اسمى واعلى مراتب الحرية والديمقراطية ، يعتبره الكثير في العالم العربي وخاصة الأنظمة العربية الديكتاتورية نوع من التمرد والخيانة والجريمة والعصيان وترفضه وتحاربه ومستعدة ان تخوض الحروب من اجل وقفه ومنعه ، وهذا يعود الى ثقافة الاقصاء والافناء ورفض الاخر التي تسود المجتمعات العربية افرادا وشعوبا وحكام ، وقد مثلت تجربة السودان نموذجا لذلك فبعد اكثر من ثلاثين عام من الحرب بين حكومة السودان والجنوبيين المطالبين بحق تقرير المصير والاستقلال رضخت الحكومة السودانية لمطالبهم عبر استفتاء عام والذي منحهم حق تقرير المصير والاستقلال ، وعلى صعيد اخر فقد واجهت مطالب الاكراد عبر السنين رفضا شديدا من قبل الأنظمة العربية في منحهم ابسط الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، حتى كان يفرض عليهم بتسمية أبنائهم بأسماء عربية ، واستمرت سياسة التهميش لهم في البلاد العربية التي يسكنون فيها بعد تحرر تلك الدول من الاستعمار الأجنبي وخاصة في العراق وسوريا.
ومع تنامي الحركة القومية الكردية عبر سنوات النضال والكفاح من اجل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية فقد تعرض الاكراد الى الكثير من الاضطهاد والتهجير والاعتقال والطرد من قبل الأنظمة العربية السلطوية ، ولكن بعد ان توافرت الظروف المناسبة للأكراد للتعبير عن ذاتهم عملوا على توحيد جهودهم والإصرار والحفاظ على ثقافتهم ومعتقداتهم والتعبير عنها والمطالبة بحقوقهم الأساسية واهمها حق تقرير المصير والاستقلال.
ان الاستفتاء المقرر ان يجري في أيلول المقبل في كردستان حول استقلال الإقليم هو تعبير عن المطالب الشعبية والحقوق المشروعة للشعب الكردي في الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير ، لكن التصريحات اليومية التي تنطلق من القيادات العراقية التقليدية والتي اثبتت فشلها التاريخي في حكم البلاد وعززت الفساد والديكتاتورية خلال السنوات السابقة لن تقف عائقا امام هذا الحق الأصيل للشعب الكردي في حق تقرير المصير والاستقلال في دولة حرة مستقلة اسوة بكل شعوب الأرض .
ان حق تقرير المصير للشعب الكردي هو حق مقدس ، ويجب على كل احرار العالم الوقوف الى جانب الشعب الكردي و دعمه في هذا الحق ، واذا نظرنا الى خارطة الشرق الأوسط في هذه الأيام فان كردستان العراق تعتبر من اكثر المناطق استقرارا ، اذ أصبحت ملاذا وملجا لكل الفارين من جحيم الحرب في وسوريا والعراق ، وأصبحت موطئ جذب للاستثمارات والتطور الاقتصادي .
ان الاستفتاء التاريخي الذي سوف يجري في أيلول المقبل يعبر عن مرحلة تاريخية جديدة في تاريخ الشعب الكردي والتي يجب ان تتوج بإقامة دولة كردية ديمقراطية حرة ومستقلة يعبر فيها الاكراد عن تطلعاتهم وتحقيق حقوقهم ومطالبهم العادلة والمشروعة .
ان حق تقرير المصير للشعب الكردي يعتبر انتصارا لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية ، وهو انجاز لنضالات وتضحيات الشعب الكردي عبر سنوات طويلة من الكفاح والنضال من اجل إقامة دولته المستقلة الحرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
د. حسين الديك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى