بعد أكثر من شهر من حكم هيئة تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع (الجولاني سابقاً)!

بقلم محمد عباس
مر أكثر من شهر على سيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، المعروف سابقًا بالجولاني، على مناطق جديدة في سوريا ومن ضمنها العاصمة دمشق بعد هروب بشار الاسد وانهيار نظامه الأمني الاستبدادي، ومع ذلك لم تشهد هذه المناطق تغييرات إيجابية ملموسة كما كان مأمولًا أو كما روجت لها الهيئة في البداية.
وبالرغم من الوعود الكثيرة التي تم إطلاقها بشأن تحسين الأوضاع المعيشية، الاقتصادية، والسياسية، إلا أن الواقع على الأرض لا يعكس سوى الاستمرار في الأقوال دون أفعال تُحدث فرقًا، بل يبدو أن الهيئة تسير على نفس الخطى التي اتبعتها سابقًا في إدلب، حيث الأيديولوجية هي المهيمنة على المشهد.
في الوقت الذي كان السكان ينتظرون فيه تحسنًا في الخدمات الأساسية بعد سيطرة الهيئة، بقي الوضع الخدمي على حاله تقريبًا. لم تُحدث الهيئة أي تغييرات جذرية في البنية التحتية أو الخدمات، مثل المياه، الكهرباء، والنقل. ما ظهر من تحسينات كانت في الغالب نتيجة مبادرات فردية قام بها السكان أو بعض المتطوعين، وليست نتيجة لخطة أو عمل مؤسسي من الهيئة ومع هذا الأداء الخدمي الضعيف الذي يعكس غياب أي رؤية شاملة لتحسين حياة الناس، وهو ما يزيد الإحباط بين أبناء الشعب الذين كانوا يأملون في حياة أكثر استقرارًا.
من الناحية الأمنية، لا تزال التصفيات الثأرية مستمرة، وخاصة في مناطق مثل الريف الحمصي والساحل السوري. هذه التصفيات تُنفذ دون أي محاكمات عادلة أو تحقيقات قانونية شفافة، مما يعكس استمرار سياسة تصفية الحسابات التي اعتمدتها الهيئة في إدلب سابقًا. هذه العمليات التي تبدو عشوائية تزرع الخوف بين السكان وتُعمق الانقسامات داخل المجتمع السوري، حيث بات من الواضح أن الهيئة تعتمد على القوة في فرض سيطرتها بدلاً من العمل على تحقيق العدالة أو تعزيز الثقة بين مكونات المجتمع.
بإلإضافة إلى ذلك حيث بدأت الهيئة بفرض أنماط وسلوكيات معينة على السكان في المناطق التي تسيطر عليها، تم فرض الفصل بين الرجال والنساء في وسائل النقل العامة، وفرضت الهيئة نوعًا محددًا من اللباس الذي تعتبره شرعيًا، بغض النظر عن الخلفيات الثقافية المتنوعة للسكان أو تقاليدهم المحلية وغيرها من الممارسات الأحادية وخاصةً بحق المرأة. كل هذه الخطوات تعكس رغبة الهيئة في إعادة تشكيل المجتمع السوري وفقًا لرؤيتها الأيديولوجية، دون الالتفات إلى التنوع الثقافي والاجتماعي الذي يُميز سوريا كلوحة فسيفسائية.
هذا النهج القسري أثار انتقادات واسعة بين السكان، حيث شعر الكثيرون بأن هذه القرارات تُنتقص من حرياتهم الشخصية وحقوقهم الأساسية وخاصة بعد أربعة عشر عاماً من الثورة.
أما سياسيًا، لم تُظهر الهيئة أي رغبة في بناء تواصل حقيقي مع الأطراف السياسية داخل سوريا. أحمد الشرع، الذي يقود ما يُعرف بــ”قيادة العمليات”، لم يُجرِ أي لقاء مع أطراف سياسية، لا عربية ولا كردية، وهو ما يعكس غياب الجدية في العمل على بناء توافق سياسي وطني. بدلًا من ذلك، اقتصرت لقاءاته على شخصيات اجتماعية ودينية، أو ناشطين إعلاميين ومؤثري وسائل التواصل الاجتماعي (تيكتوكرية ويوتيوبرية)، مما يُظهر أن الهيئة تُركز أكثر على الترويج الإعلامي لصورتها الجديدة بدلًا من العمل على تحقيق تغيير سياسي حقيقي. هذه السياسة تُظهر أن الهيئة ترى نفسها كسلطة مطلقة، وليست كجزء من مشهد سياسي متكامل يسعى إلى تحقيق مصالحة وطنية أو بناء مستقبل مشترك لجميع السوريين.
أما على الصعيد الدولي لا يزال هناك تخوف كبير من قبل المجتمع الدولي تجاه هيئة تحرير الشام بسبب تاريخها وعلاقاتها السابقة مع الجماعات المتطرفة. الولايات المتحدة وأوروبا لم تُظهر حتى الآن أي بوادر للاعتراف بهذه الهيئة كجزء شرعي من المشهد السوري، حيث لا تزال تُعتبر مصدر تهديد للاستقرار الإقليمي.
و على الجانب الآخر، بدأت بعض الدول العربية في تقديم دعم مادي ودبلوماسي محدود للهيئة، بهدف استمالتها إلى صفها وإبعادها عن التأثير التركي المتزايد في سوريا، التي تُسيطر بشكل مباشر أو عبر حلفائها من الفصائل المسلحة على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، تمارس انتهاكات جسيمة في تلك المناطق، وهو ما دفع بعض الدول العربية وخاصةً دول الخليج منها تقديم هيئة تحرير الشام كبديل أكثر اعتدالًا ويجب الاعتماد عليه رغم تحفظات المجتمع الدولي على سلوكه ومقارنةً مع أقواله.
و إذا ما قرأنا المشهد فيما يخص الشعب الكردي وقضيته فإن أداء الهيئة لم يرقَ إلى مستوى التوقعات. ورغم تصريحات أحمد الشرع حول ضرورة التفاهم مع المكونات المختلفة للمجتمع السوري وان الشعب الكردي هو جزء أساسي من المجتمع السوري، إلا أن ذلك لم يتجاوز إطار الأقوال. لم تُجرِ الهيئة أي لقاءات جادة مع الأطراف الكردية السياسية لبحث القضايا الجوهرية المتعلقة بمستقبل سوريا وحقوق الشعب الكردي، واكتفت بلقاء وحيد وبعيد عن الإعلام مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي ركزت على القضايا العسكرية فقط دون التطرق إلى أي أبعاد سياسية أو اجتماعية. هذا التعامل السطحي يعكس غياب أي نية حقيقية من قبل الهيئة لبناء شراكة وطنية تضم جميع الأطراف، مما يزيد الشكوك حول أهدافها المستقبلية.
في ضوء هذه التطورات، يبدو أن هيئة تحرير الشام لا تزال تعتمد على نفس السياسات التي اتبعتها في إدلب، مع التركيز على فرض سلطتها وإيديولوجيتها دون تقديم حلول عملية لتحسين حياة السكان أو تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية. الواقع الحالي لا ينبئ بأي تغيير إيجابي، بل يُظهر أن الهيئة تسعى لترسيخ نموذج حكم قائم على الإقصاء والسيطرة، بدلًا من بناء دولة حقيقية تحترم حقوق مواطنيها وتلبي احتياجاتهم الأساسية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
محمد عباس