بلاغ صادر عن اجتماع المجلس المركزي

عقد المجلس المركزي لحركة البناء الديمقراطي الكُردستاني اجتماعاً استثنائياً في منتصف شهر كانون الأول الجاري، تركز على الوضع السوري الجديد بعد سقوط نظام الأسد والبعث والمرحلة الصعبة والحساسة التي تمر بها سوريا وسط ترقب وتفاعل دولي وحذر إقليمي.
فقد شهدت أغلب المدن السورية يوم الجمعة الفائت مظاهر حقيقية من الاحتفال لم تشهدها سوريا منذ أكثر من خمسة عقود، وجاءت هذه المظاهر احتفالا بسقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول ٢٠٢٤، وقد تزامن ذلك مع العديد من المؤشرات الإيجابية التي رافقت الاحتفالات، أهمها غياب مظاهر الثأر والانتقام، إلى جانب العديد من الدعوات إلى ضرورة التوافق الوطني، وحماية حقوق المكونات القومية والدينية، والدعوة إلى حماية مؤسسات الدولة، والاحتفاظ بالكفاءات الوطنية، إلى جانب الاحتفاظ ببعض الفعاليات الأمنية مثل الجمارك والشرطة الوطنية، وإعادة تأهيل الكوادر العسكرية، والتوجه نحو بناء جيش احترافي بعيداً عن التدخل في السياسة تنحصر مهمته في حماية حدود الدولة.
إن حركة البناء الديموقراطي الكُردستاني، في الوقت الذي تدعم ترتيبات سليمة للمرحلة الانتقالية الجارية، ترى في عين الوقت أن يتم البدء بالتحضير للمراحل اللاحقة عبر فسح المجال لحوار وطني، يهدف للتوصل إلى توافقات وطنية تقود بالضرورة إلى الإعلان عن مبادئ دستورية لدعم المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى دعم قضايا الأمن العام، وضبط الإدارات العامة، وتأمين الاحتياجات الضرورية، وتهيئة الأجواء لعودة آمنة وكريمة للاجئين.
ومن المهم الإشارة إلى أن السوريين في هذه المرحلة الحيوية أمام أولويات بعضها عاجلة وتتمثل في الإعلان عن مبادئ دستورية واعتماد إعلان دستوري مؤقت على أساسها حتى لا تعيش الدولة في فوضى فراغ دستوري، والتوجه نحو صياغة دستور عصري يشترك فيها الجميع، إلى جانب ضبط الأمن والحفاظ على المؤسسات والادارات الحيوية، وتأمين الاحتياجات الضرورية، وتفعيل المرافق العامة، وبعضها الآخر يتمثل في محاسبة رموز المنظومة السابقة، وكل من تلطخت أيديهم بدماء السوريين، والبحث في مصير القوانين والعقوبات الدولية المفروضة على سوريا، بما في ذلك قانون قيصر.
وبخصوص القوى السياسية ومستقبل العمل السياسي في سوريا نرى ضرورة العمل على استيعاب جميع الكتل، والأحزاب، والكيانات السياسية، وفعاليات المجتمع المدني، وممثلي القوميات والمذاهب، والبدء بحوار وطني شامل والتوصل مجتمعين إلى تقاطعات وطنية من شأنها تهيئة الأجواء لانتخابات تشريعية، وانتخاب جمعية تأسيسية وفق معايير ديموقراطية عصرية، والبدء بتشكيل هيئة انتخابات مستقلة مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية، وبرعاية دولية.
أما بخصوص تصريحات رئيس إدارة العمليات العسكرية السيد أحمد الشرع، فقد لاقت ارتياحاً عاماً لدى أغلب القوى الوطنية السورية، وكذلك الجهات الاقليمية والدولية المعنية بالشأن السوري، وهي في حقيقتها تصريحات تبعث على الأمل، وذلك لجهة دعوته إلى طيّ صفحة الماضي، والبدء بفتح صفحة جديدة في حياة السوريين، ولعل أبرز ما جاء في تصريحاته بأنه لا يجوز قيادة الدولة بعقلية الثورة، والدعوة إلى التصالح مع دول الجوار، والتخلص من تداعيات المشروع الإيراني في المحيطين العربي والإقليمي، واعتبار الشعب الكُردي في سوريا جزءاً لا يتجزأ من تاريخ سوريا، وضرورة حلّ المسألة الكُردية وطنيا. وبناءاً على ذلك صرح وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية بأن بلاده ستنظر في العقوبات المتخذة بحق هيئة تحرير الشام وذلك بالنظر إلى تصرفاتها.
وأبدى الاجتماع ارتياحه لتوجهات الاجتماع الوزاري الأخير لمجموعة الاتصال العربية المشتركة في العقبة بشأن سوريا حيث أكد المجتمعون على الوقوف إلى جانب الشعب السوري، وتقديم العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته، ودعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية – سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وبما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ وأهدافه وآلياته، بما في ذلك تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استنادا إلى دستور جديد يقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار. ورأى المجتمعون أن هذه المرحلة الدقيقة تستوجب حواراً وطنياً شاملاً وتكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية لبناء سوريا الحرة الآمنة المستقرة التي يستحقها الشعب السوري بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحيات، مع ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية، واحترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ومن دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وتعزيز قدرتها على القيام بأدوارها في خدمة الشعب السوري، وحماية سوريا من الانزلاق نحو الفوضى، والالتزام بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته في ضوء أنه يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم، وتوفير الدعم الإنساني الذي يحتاجه الشعب السوري، وتهيئة الظروف الأمنية والحياتية والسياسية للعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم، وتحقيق المصالحة الوطنية ومبادئ العدالة الانتقالية وفق المعايير القانونية والإنسانية ومن دون انتقامية.
وتأتي أهمية هذا التوجه من الدعم العربي والإقليمي والدولي الذي حظي به، حيث اجتمع فريق الاتصال العربي بشأن سوريا مع وزراء وممثلي البحرين وفرنسا و ألمانيا و قطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وتم التأكيد على الدعم الكامل للشعب السوري في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه لبناء مستقبل أكثر أملا وأمنا وسلاما، وعلى أن العملية السياسية الانتقالية يجب أن تكون بقيادة وملكية سورية، وإنتاج حكومة شاملة وغير طائفية وتمثيلية ويتم تشكيلها من خلال عملية شفافة تستند إلى مبادئ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، مع التشديد على احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة والأقليات، والحفاظ على مؤسسات الدولة التي تخدم مصالح الشعب السوري وتقديم الخدمات الحيوية له، وكذلك توفير الوصول غير المقيد للمساعدات الإنسانية وحرية الحركة للنازحين والعائدين، وعلى أهمية مكافحة الإرهاب والتطرف، بما في ذلك منع عودة ظهور كافة المجموعات الإرهابية، وأن لا تشكل الأراضي السورية خطرا على أي دولة أو ملاذا للإرهابيين.
ورأى اجتماع المجلس المركزي أنه بعد انهيار نظام البعث، هناك فرصة حقيقية أمام الشعب السوري لإعادة إنتاج سوريا جديدة ومختلفة، ويقع على عاتق الحراك السياسي الكُردي التعامل مع هذه المرحلة بإيجابية و بمنتهى الجدية والمسؤولية وبعيداً عن السعي نحو المكاسب الشخصية أو الحزبية، لذا لا جدوى من التسابق إلى دمشق بشكل منفرد وبدون وجود رؤية سياسية واضحة وجامعة، فلا يجوز التفاوض خارج الإجماع الكُردي، ولا يمكن قبول أية صيغة لا ترتقي إلى مستوى قضية شعبنا.
كما أعرب الاجتماع عن قلقه تجاه ما تشهده مناطق نفوذ قوات سوريا الديموقراطية من احتقان وتحشدات عسكرية على حدودها بشكل عام وحدود كوباني بصورة خاصة من جانب الفصائل المسلحة المنضوية تحت راية «الجيش الوطني» التابع لـ «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» والموالية لتركيا. ونرى في هذ الصدد ضرورة تجنيب المنطقة كوارث جديدة، ومعالجة الأسباب التي قد تؤدي إلى اندلاع حروب من شأنها تهجير مئات الآلاف من سكانها الكُرد، واعتماد الحوار وسيلة لحل الخلافات، وضرورة تسليم كل المناطق إلى سكانها الأصليين لإدارتها، وخروج جميع الغرباء من سوريا. كما نتوجه إلى شعبنا في مختلف أرجاء الوطن، وخاصة في منطقة كوباني التي تترقب مآلات الأوضاع الأمنية والعسكرية ويتم إشاعة أخبار غير دقيقة لبثّ الرعب بين الأهالي، بأن يتمسكوا بموطنهم وأملاكهم ولا ينجروا خلف دعوات الهجرة والنزوح قدر الإمكان، ولا تزال تجربة عفرين المريرة بادية للعيان ولا تزال مأساة أهلها مستمرة.
في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024
المجلس المركزي
لحركة البناء الديمقراطي الكُردستاني – سوريا