آراء و ومقالات

قضايا فكرية

 مساهمة في سياق معالجة بعض جوانب الأزمة البنيوية في مسار الحركة السياسية الكردية في سوريا -الجزء الأول “مقدمات الأزمة”

علي مسلم

(تستمد أية قضية سياسية مشروعيتها التاريخية من إمكانية تحقيقها، وذلك بمقتضى الإمكانات اللوجستية المتوفرة، الى جانب توفر الشروط الموضوعية بما في ذلك التأييد الدولي، وهذا بطبيعة الحال لا يسقط عنها الأحقية التاريخية بحكم التقادم، بل يمكن الإحاطة بمختلف جوانبها السياسية، وتهيئة الظروف كي تبقى حاضرة على الدوام).

لا بدا من الإشارة بداية الى أن ظهور الفكر السياسي الكردي في سورية في جانبه العمومي، جاء كضرورة للتعبير عن أماني وطموحات الشعب الكردي في سورية، وذلك كان نابعاً بالأساس من شعور الكرد بأن التطورات الجيوسياسية التي انتجتها الحروب ولا سيما الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت تشير دون ريب الى غياب ملامح ظهور أي كيان سياسي كردي في عموم منطقة الشرق الأوسط بالرغم من حضورهم السياسي المتميز ودورهم في صناعة الإمبراطوريات والدول التي توالت على قيادة المشهد السياسي في هذه المنطقة، لهذا جاءت المنطلقات الفكرية التي تبنتها غالبية النخب والأحزاب الكردية في بدايتها عائمة، وغير منسجمة مع التحولات السياسية والاجتماعية التي حدثت في سوريا في تلك المرحلة، ولم يتشكل لديهم إحساس كبير بأنهم جزء من دولة، ويمتلكون هوية سورية أو ينتمون إليها. وبهذا واصلت القبائل الكردية الحياة بعيدًا عن مراكز القوة في المدن، والمراكز الاقتصادية للدولة السورية، وأبقوا على تنقلاتهم بين العراق وتركيا وسوريا في صورة تبيح لهم التصرف وكأنه لا وجود حقيقي للحدود بين هذه الدول.

 وتحولت الأفكار والمحددات السياسية لديهم الى مجرد شعارات نظرية عابرة للحدود، من قبيل توحيد أجزاء كردستان بعد تحريرها، دون النظر الى الوقائع الجيوسياسية السائدة، كنتاج اولي لحروب  وغزوات أنتجت هذا النموذج من التوافق بين الدول المتصارعة، مما أدى الى طغيان الشعارات القومية العابرة للحدود على حساب السلوكيات السياسية التي كانت تلامس الجانب الوطني والذي يشكل الكرد جزءاً اساسياً منه، وهذا أدى مع مرور الوقت، وتتالي الأحداث الى بروز بعض مظاهر الاغتراب السياسي عن المحيط الوطني السوري، الذي مهد بدوره الى الابتعاد عن جوهر القضايا السياسية التي لامست الواقع السياسي في سوريا، سيما بعد انتهاء مرحلة الانتداب الفرنسي وشروع السوريين نحو بناء الدولة السورية.

فالمجتمع الكردي في سوريا كما تشير الوقائع لم يكن بمنأى عن التحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها سورية، بل كانوا حاضرين فيها على الدوام، وقد ساهموا كغيرهم في توفير شروط بناء الدولة، لكن الذي حصل ان الخطاب السياسي القومي الذي خرج به الكرد لم يكن متماشياً مع متطلبات المرحلة السياسية التي كانت تمر بها سورية، بالقياس الى تطلعات الفئات السورية الأخرى، سيما بعد انصراف الفئات البرجوازية في الانخراط والعمل ضمن أحزاب وطنية الطابع مثل حزب الشعب والكتلة الوطنية وغيرها من الأحزاب التي توافقت مصالحها مع مصالح بعض الفئات التي كانت تستمد قوتها من بعض الأطراف الخارجية، واستطاعت بفعل ذلك بناء الأحزاب والجمعيات الوطنية التي وضعت نصب اعينها قيادة المشهد السياسي نحو التخلص من تبعات الانتداب الفرنسي وبناء الدولة الوطنية دون التوقف علانية عند التطلعات القومية الخاصة، وهذا ما عزز من اغتراب الفئات الكردية عن البيئة الوطنية ناهيك عن تسرب بعض التطلعات السياسية من خارج السياق السوري نحو متن البرامج السياسية التي انطلق منها الكرد في سوريا، وتم توجيه الأنظار نحو كردستان تركيا كتعبير غير مباشر يوحي الى رفض التقسيمات التي انتجتها سايكس بيكو، وحصر المشكلة الكردية في الجزء الذي بقي خاضعاً للنفوذ التركي، عبر بعض الأشخاص الذي فروا الى سوريا هرباً من بطش الدولة التركية، وقد جاء ذلك كخطوة أولية مهدت لتبعية الفئات الكردية السورية  لبعض الحالات الكردية غير السورية، ويمكن الاستشهاد بمحاولات قادة خويبون في توجيه الأنظار نحو خارج سورية وذلك من خلال مقررات المؤتمر التأسيسي لجمعية خويبون عام 1927م وتوجيه الأنظار والإمكانات والطاقات المحلية نحو كردستان تركيا، والقفز فوق الحقائق سيما بعد معاهدة رسم الحدود بين سوريا وتركيا عام 1926. يتبع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى