بلاغ صادر عن اجتماع الهيئة القيادية لحركة البناء الديموقراطي الكُردستاني – سوريا

عقدت الهيئة القيادية لحركتنا اجتماعها الاعتيادي في النصف الأول من كانون الثاني الجاري وهو الاجتماع الأول لها في السنة الجديدة 2024، وقد تضمن جدول الأعمال العديد من المواضيع والقضايا المتعلقة بمختلف الجوانب السياسية والتنظيمية والإعلامية ..إلخ، والتي تتعلق بنشاط الحركة، بما في ذلك تقييم مسيرتها منذ الإعلان عنها كعنوان لتلقي المقترحات وحقلٍ لتفاعل مختلف الآراء والأفكار أملاً في توليد رؤى من شأنها التوصل إلى صياغة خارطة طريق لإعادة بناء الحراك السياسي الكُردي في سوريا، وفق رؤىً سياسية واقعية، وإخراجه من حالة الترهل والفوضى، وإعادة المشروعية للشخصية الكُردية السورية، ورسم حدود ومسارات العلاقة بين ممثلي الشعب الكُردي في سوريا والأشقاء في مختلف أجزاء كُردستان الأخرى، والتأكيد على احترام خصوصية كل جزء وتقدير ظروفه وعدم التدخل في شؤونه، وصياغة خطاب سياسي جديد يتناسب مع المرحلة، ويأخذ في الاعتبار حقوق شعبنا الكُردي في سوريا المستقبل .
في الجانب السياسي توقف الاجتماع مطولاً على الأوضاع التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط، والعديد من المواقع الأخرى وتأثير ذلك على الوضع السياسي في سوريا، سيما من جانب التداخل بين القضية السورية ومختلف الملفات الأخرى (مثل الحرب الروسية – الأوكرانية، والحرب في غزة، وكذلك المشروع التوسعي الإيراني والميليشيات الولائية المنفلتة ومختلف الأذرع الأخرى المنتشرة في سوريا ولبنان واليمن والعراق). كما توقف الاجتماع على خلفيات الوجود الأمريكي على الأرض السورية وعلاقة ذلك بالحرب الدولية ضد تنظيم داعش الإرهابي، والمشاركة الغربية في قصف مواقع بعض أذرع إيران في لبنان، وما يحدث في اليمن باستهداف مواقع حيوية للحوثيين مما يفهم بأن ما يشير إلى أن شظايا الحرب في غزة بدأت تتطاير وتصل إلى مواقع أخرى، وكذلك ما صدر من جانب رئيس الوزراء العراقي مؤخراً من تصريحات تضمنت دعوة صريحة لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وكذلك الاحتكاك والتصعيد الواضح بين الجيش التركي ومسلحي حزب العمال الكردستاني، وهجمات الحشد الشعبي ..إلخ كلها تؤكد بأن الأمور ذاهبة نحو المزيد من الحروب والصراعات، والتي قد تؤدي إلى إغراق كامل المنطقة في مستنقع العنف من جديد، وهذا قد يؤدي الى توفير مناخات ملائمة لانتعاش التنظيمات الإرهابية، ورأى المجتمعون بأن مناخات اليوم تشبه إلى حدٍّ بعيد تلك المناخات التي سادت المنطقة قبل أكثر من قرن، سيما مرحلة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقد ينتج عنها تغيّرات في البنية الأمنية وبُنية النظام الدولي القائم، ربما بأشكال ومقاربات جديدة، خصوصاً في ما يتعلق بمناطق النفوذ والسيطرة، واعتماد أدوات جديدة للصراع بدلاً من أساليب التدخل أو الاحتكاك المباشر بين اللاعبين بغية تقليل خسائرها في الأرواح، وتجنّب الصدام المباشر بينها، وكل ذلك سيكون على حساب مستقبل ومعاناة شعوب المنطقة. ورأى المجتمعون بأن ما يجري هو تعبير واضح ودليل قاطع على فشل منظمة الأمم المتحدة في إيجاد حلول سياسية واقعية لقضايا شعوب المنطقة بشكل عام وقضية شعبنا الكُردي بصورة خاصة، وما محاولات الولايات المتحدة وحلفاءها في الإبقاء على النظام الدولي القائم والذي ساد العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق من جهة، ومحاولات الصين وروسيا وحلفائهما في إعادة إنتاج نمط ونظام جديد في معادلة التحكم والمشاركة في قيادة العالم من جهةٍ أخرى، وبالتالي المخاض العسير الذي تشهدها بؤر الصراع، ما هي في المحصلة سوى إفرازات لهذه المعادلة. مع التأكيد الى أن كل هذه الأمور والتداعيات ستترك انعكاساتها على الوضع في بلدنا لجهة فرض أجواء سياسية أكثر تعقيداً في ظل التدخلات القائمة والتقسيمات الحاصلة على الخارطة السورية، وكان من تداعياتها الولية خروج السوريين من مساحة الفعل بشكل شبه كامل، وتحولوا بحكم الواقع والمعطيات الى أدوات بيد القوى الخارجية التي فرضت نفسها عسكرياً في الميدان السوري، ومحاولة تلك القوى وسعيها إلى الحفاظ على مكاسبها وتثبيت مناطق النفوذ القائمة مع بقاء معادلات توازن المصالح خياراً ثابتاً.
كما توقف المجتمعون أمام واقع المعارضة الرسمية بمختلف منصاتها والتي فشلت في صياغة مشروع وطني تغييري واقعي معبر عن الطيف السوري المتنوع، ويحظى بالقبول من جانب المجتمع الدولي، ويعود ذلك الى فقدانها للقرار الوطني السوري المستقل أولاً، وتوزعها على محاور الصراع والجهات المانحة ثانياً. وما كان يعرف بـ “الجيش الحر” – “الجيش الوطني” الذي كسب احترام الحراك الشعبي في البداية لم يبق منه اليوم إلاّ مجاميع مسلحة طائفية – مناطقية متقاتلة ومتطرفة في غالبيتها، همها النهب والسلب والخطف.. وتحولت مناطق سيطرتها إلى مزارع لأمراء تلك المجاميع.
ورأى المجتمعون أن الأزمة التي تعصف بالحركة السياسية الكُردية في سورية هي أزمة بنيوية شاملة تتعلق ببنية الحركة وخطابها وقرارها المصادر، وكل ما يجري عبارة عن سياقات مختلفة تماماً عن تجارب التحرر الوطني، وأن الأمر الذي لا جدال فيه هو أنه لا يمكن بهذه الهياكل أن نحقق أي مكسب لشعبنا، كون كل ما يجري هو عبارة عن نوع من إدارة الخلافات بين الأطراف المختلفة وامتداد للصراع بين الأطراف الخارجية، نتيجة فقدانها القرار وافتقارها لأية رؤية واقعية بديلة تفصل المرحلي عن الاستراتيجي وتتفاعل مع معطيات الميدان السوري. يضاف الى ذلك سيادة الخطاب الكلاسيكي، وبقاء منظومة القيادة محصورة في منطقة جغرافية محددة، وتدور في دوامة ردود الأفعال الناتجة عن الصراعات الكردية مع القوى الإقليمية خارج سورية، وضمن اطر واجندات سياسية ليس لشعبنا الكردي أية مصلحة فيها.
وناشد المجتمعون المهتمين والنخب الواعية بشكل عام سواءً تلك العاملة في التنظيمات القائمة أو تلك المستقلة تنظيمياً البحث الجدي عن البديل السياسي – التنظيمي الواقعي والمختلف في بنيته وهيكليته وخطابه وآليات عمله وقراره وخصوصيته الكُردية السورية.
كما توقف المجتمعون على الأوضاع المعيشية المتفاقمة في مختلف المناطق السورية، وناشدوا الأمم المتحدة بضرورة إيجاد آليات فاعلة من شأنها إيصال المساعدات الإغاثية إلى المحتاجين في كافة المناطق بغض النظر عن القوى المسيطرة. كما أكدوا بأن الانتهاكات مازالت مستمرة بحقّ المدنيين على كامل مساحة سوريا وخاصة في مناطق سيطرة مسلحي سلطات الأمر الواقع المختلفة ولاسيما في عفرين ومناطق الشهباء وتل أبيض/ كري سبي ورأس العين/ سري كانية. وأكدوا بأن الحل الوحيد يكمن في السعي لإخراج المسلحين من المناطق الآهلة بالمدنيين وتسليم الإدارة بجوانبها المختلفة إلى سكانها الأصليين في ظل حماية دولية لحين إيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية وفق بيان جنيف 1 لعام 2012 والقرارات الأممية ذات الصلة وخاصة القرار 2254 لعام 2015 .
كما قيّم المجتمعون إيجاباً نتائج اللقاء التشاوري الأول الذي جمع حركتنا إلى جانب أحد أطراف البارتي وتيار الحرية الكردستاني والذي عقد في مدينة السليمانية بإقليم كوردستان العراق، واعتبر المجتمعون بأن الوثيقة التي صدرت عن اللقاء المذكور تعتبر أساساً مناسباً يمكن البناء عليها، كما أعرب المجتمعون عن أسفهم لعدم تمكن بعض الأطراف من حضور اللقاء، وأكدوا بأن المرحلة تستوجب على الجميع الإقرار بالفشل ومن ثم البحث الجدّي عن آليات الخروج من الأزمة.
وفي الجانب التنظيمي توقف المجتمعون على الأوضاع التنظيمية في مختلف المواقع، كما تمت الموافقة على انضمام كوادر قيادية جديدة إلى صفوف الحركة، وتقرر تشكيل مكتبين جديدين وإضافتهما إلى مسودة النظام الداخلي للحركة، والتأكيد على ترسيخ الممارسة الديمقراطية من خلال التطبيق الفعلي للامركزية والآليات التنظيمية المعتمدة والقائمة على أساس نظام الدوائر بحيث يتسنى لكل دائرة صلاحية ترتيب وإدارة التنظيم في نطاق عملها بحسب واقعها.
في الـ 13 من كانون الثاني 2024
الهيئة القيادية لـ
حركة البناء الديمقراطي الكردستاني – سوريا