بيانات و توضيحات

بيان بمناسبة الذكرى الخمسين لتنفيذ مشروع الحزام العنصري

حركة البناء الديمقراطي الكوردستاني – سوريا

بيان بمناسبة الذكرى الخمسين لتنفيذ مشروع الحزام العنصري

يصادف الرابع والعشرون من حزيران هذا العام الذكرى الخمسين لتنفيذ مشروع الحزام العربي العنصري في مناطق من كوردستان سوريا، حيث صدر القرار ذو الرقم 521 عن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، متضمناً أوامر بالبدء بتنفيذ ما سُمِّيَ بمشروع «الحزام الأخضر»، وذلك بعد سنوات من الخطوات التمهيدية على مختلف الأصعدة.

فعلى الأصعدة الأمنية والحزبية والإعلامية:
يعود هذا المشروع بملامحه الأولى إلى رئيس الشعبة السياسية في الحسكة (الملازم أول محمد طلب هلال) الذي أصدر كراساً في بداية الستينات من القرن المنصرم بعنوان: «دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، الاجتماعية، والسياسية» يتضمن جملة من التشويهات والأضاليل بالإضافة إلى توصيات تتلخص في الدعوة إلى تجريد الكورد السوريين من أراضيهم ومن جنسيتهم السورية وممارسة سياسة التعريب والتهجير والتجويع والتجهيل بحقهم، وإقامة مستوطنات داخل مناطقهم على شكل الكيبوتزات الإسرائيلية..

وأكد المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث الحاكم (المنعقد في أيلول عام 1966) في الفقرة الخامسة من توصياته بخصوص محافظة الحسكة على «إعادة النظر بملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية – التركية وعلى امتداد 350 كم وبعمق 10 – 15 كم واعتبارها ملكاً للدولة وتطبق فيها أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن الدولة». وسبق ذلك نشر تقرير في العدد 11 من نشرة «المناضل» الصادرة عن مكتب الدعاية والإعلام في التوجيه القومي لحزب البعث بعنوان «تقرير لخطة إنشاء مزارع حكومية في محافظة الحسكة» جاء فيه: «إن المخاطر التي واجهت وتواجه شعبنا العربي في شمال العراق، والتي خلقت من قبل الامبريالية، بدأت تهددنا أيضاً منذ بضعة أعوام أخيرة في محافظة الحسكة، أهملتها الحكومات السابقة، ولكن اليوم تحتاج إلى حل جذري سليم… إن أفراداً غير عرب، وأغلبهم أكراد، قد هاجروا إلى هذه المنطقة من تركيا والعراق وفقاً لخطة تؤيدها وتشجعها الامبريالية ولازالت.. والأكراد استوطنوا في هذه المنطقة الخصيبة والتي هم غريبون عنها… بسبب وجود الاقطاعية في المنطقة ووجود عناصر غير عربية وغالبيتهم من الأكراد والذين يحاولون جاهدين أن يؤسسوا بلداً قومياً لهم في حدودنا الشمالية بمساعدة الامبريالية، ولأن المنطقة واقعة بالقرب من الحدود التركية والعراقية المأهولة بالأكراد وهم مطلوبون للمؤامرات والجاسوسية التي تحاك ضدنا في منطقة الحدود، فمن العاجل جداً أن نتخذ الإجراءات الضرورية لكي ننقذ العرب في المنطقة… يمكن القول أنه إذا بقيت الأشياء كما هي فإن الهجرة الكردية ستزداد في المنطقة وستشكل خطراً على حدود أمتنا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية المنطقة زراعياً وصناعياً وبخاصة بعد اكتشاف البترول ..». وقد تضمن التقرير المذكور إجراءات لتنفيذ خطة الحزام هي:
1- إصدار محافظ الحسكة «إنذاراً نهائياً للسكان الريفيين المزارعين والملاكين يمنعهم من أن يستثمروا الأراضي المصادرة»، ومن ثم البدء «بعمليات الحراثة والبذار».
2- «بدأ مكتب الأراضي المصادرة بتنظيم الأراضي المصادرة».
3- «بدأ مكتب الإصلاح الزراعي باتخاذ الإجراءات لترحيل حوالي 4000 عائلة من منطقة الحزام إلى مناطق أخرى إلى أن تنجز العملية بنجاح. لكن من جهة أخرى فإن حوالي 25000 نسمة داخل منطقة الحزام مسجلين عند السلطات كأجانب» (وهم جزء من عشرات الألوف الذين شملتهم عملية التجريد من الجنسية السورية في محافظة الحسكة بتاريخ 5 تشرين الأول عام 1962م)، والذين «يجب أن يمنعوا من السكن في منطقة الحدود، وأن الطريق الصحيح لتحقيق هذا الغرض هو إجبارهم ومنعهم من الحصول على أية وظيفة لكي يهاجروا بالتدريج إلى البلاد الأخرى خلال خمس سنوات، ويجب أن تستعمل القوة ضدهم إذا كان ذلك ضرورياً».
4- «إن الحزب ومكتب الفلاحين يحاولان أن يستخدما عناصر عربية شابة من بين الذين يؤمنون بالعرب والقومية العربية لكي يعملوا كعمال مسلحين في منطقة الحزام وحماية الزراعة».
5- «كان توجيه الحزب في الجزيرة الطلب من عدد من الرفاق الأكفاء كي يعقدوا لقاءات شعبية في القرى الكردية في مناطق الحدود لكي يسلطوا الضوء على مخاطر الامبريالية ويشرحوا ذلك للسكان، وهكذا يمكن أن نمهد الطريق لتنفيذ خطة الحزام …».
وبخصوص المشاكل التي قد تعترض سبيل المشروع، تضمنت نشرة «المناضل» الاقتراحات التالية:
1- «يجب أن تصدر الحكومة مرسوماً جديداً يعتبر كل قرى المنطقة كأملاك دولة، وإن الدولة لها الحق باستثمارها كما تراه مناسباً».
2- «أن توضع خطة عملية وعلمية في المستقبل لاستثمار المنطقة كلها».
3- «هذه الأهداف في الخطة يجب أن تكون مبرمجة».
4- «إن التجمع العرقي للسكان يجب أن يتبدل بنقل ونفي العناصر غير العربية».
5- «إنشاء قرى نموذجية للعناصر العربية الهاجرة من قبل الدولة»..
6- «المسئول الأعلى للجيش يجب أن يأمر لواء الحدود في المنطقة ليساعدوا السلطات المحلية عند الضرورة، وعلينا أن نضيف أنه على قائد اللواء أن يلبي طلباتنا ..».

وبعد ذلك جاء في الفقرة 12 من توصيات المؤتمر القطري الخامس لحزب البعث (المنعقد في أيار عام 1977م) – وفي معرض الحديث حول محافظة الحسكة – ما يلي: «العمل على إصلاح الخلل القائم في التوزيع السكاني في القطر وبما يحقق الإنتاج الزراعي والاقتصاد والأمن القومي بشكل عام».

وتم تعزيز تلك الخطوات التمهيدية بإطلاق الأبواق الشوفينية وبث الدعايات المغرضة ضد الشعب الكوردي بهدف الطعن في أصالته ووطنيته، باعتباره «إسرائيل ثانية »، ونشر مقالات وإقامة ندوات وإلقاء محاضرات تركز على «عروبة» المنطقة وعلى وجود «مخططات إمبريالية» هادفة إلى زرع كيان كردي في «شمال الوطن العربي» …الخ.

أما على الصعيد القانوني:
ففي ترتيب قانوني مدروس تم تعديل المرسوم التشريعي ذي الرقم 193 تاريخ 3/4/1952 (والذي كان قد رتّب إصدار المرسوم التشريعي ذي الرقم 2028 بتاريخ 4/6/1956 حيث حدد مناطق الحدود بحيث تمتد مسافة 20 كم بدءاً من الحدود التركية – السورية ودخولاً إلى عمق الأراضي السورية، بالإضافة إلى كامل قضائي القنيطرة وجبل الزاوية)، وقد جاء طلب التعديل بموجب المرسوم التشريعي ذي الرقم 75 لعام 1964 الذي أوجب تحديد مناطق الحدود بقرار يصدر من وزير الداخلية، إلاّ أن المرسوم التشريعي ذو الرقم 136 الصادر بتاريخ 11/11/1964م قد تجاوز ذلك فقام بنفسه بتحديد مناطق الحدود بحيث اعتبر كامل محافظة الحسكة منطقة حدودية بحيث لا يمكن «إنشاء أو نقل أو تعديل أي حق من الحقوق العينية على الأراضي الكائنة في مناطق الحدود وكذا استئجارها وتأسيس شركات أو عقد مقاولات لاستثمارها زراعياً لمدة تزيد على ثلاث سنوات وكذلك جميع عقود الشركات أو عقود الاستثمار الزراعي التي تتطلب استحضار مزارعين أو عمال أو خبراء من الأقضية أو من البلاد الأجنبية إلا برخصة مسبقة تصدر بقرار عن وزير الداخلية بناء على اقتراح وزير الزراعة والإصلاح الزراعي بعد موافقة وزير الدفاع»..، وكانت هذه الخطوة «القانونية» تسهيلاً لتطبيق ذاك المخطط الشوفيني.

وفي التطبيق لقي هذا المشروع مقاومة شديدة من جانب أصحاب الأراضي، حيث شهد النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي صدامات عنيفة بين الفلاحين الكورد أصحاب الأراضي، وبين سلطات النظام وأجهزتها الأمنية والعسكرية التي استخدمت مختلف أشكال القمع والاضطهاد ضد المحتجين. وبعد الانتهاء من حرب تشرين عام 1973 تهيأت الأرضية بشكل أكبر لتطبيق المشروع، فتم الاستيلاء بشكل كامل على مساحات واسعة من الشريط الحدودي (بطول 350 كم وعمق حتى 20 كم)، وسُلِّمَت إلى «مزارع الدولة»، كما وفّر إنشاء سدّ الفرات الذريعة عندما غُمِرَت أراضي بعض الفلاحين العرب من محافظة الرقة. وبالإضافة إلى ذلك لعبت عوامل أخرى دوراً في عبور المشروع جسر التنفيذ، منها: الموقف الذي وقفه الحزب الشيوعي السوري بالتزام جانب السلطة ضد الفلاحين الكورد، ضعف الحركة السياسية الكوردية وتفككها، والظروف المستجدة الدولية والإقليمية والمحلية التي نشأت نتيجة حرب تشرين. وكانت النتيجة لكل تلك العوامل والمقدمات هي صدور القرار 521 في 24 حزيران 1974 ليتم استقدام عشرات الآلاف من المواطنين العرب من محافظتي الرقة وحلب، وُزِّعوا على أربعة وثلاثين مستوطنة، حيث مُنِحوا أخصب الأراضي إضافة إلى قرى نموذجية، ناهيك عن الأسلحة التي مُنِحت لهم، وفي مرحلة لاحقة أُضيفت عشرة مستوطنات أخرى إلى الحزام المذكور في محافظة الحسكة، كما تم تنفيذ هذه الخطة في عدة قرى كوردية بمنطقة تل أبيض (گريسبي) بمحافظة الرقة.

إننا في حركة البناء الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، إذ نقف اليوم عند هذه المناسبة، فإننا نستذكر ذلك الحدث الذي شكل سياسة جديدة ضمن دائرة الاضطهاد القومي الممارس تجاه الشعب الكوردي في سوريا، تلك السياسة التي هدفت إلى تعريب مناطق الكورد بتجريدهم من أراضيهم – بعد أن تم تجريد عشرات الآلاف منهم من جنسيتهم السورية قبل ذلك في 5/10/1962م بموجب المرسوم التشريعي ذي الرقم 93 الصادر بتاريخ 13/8/1962م – وتعريضهم إلى وضع معيشي خاص بغية إجبارهم على الهجرة من مناطقهم، كسبيل إلى تغيير التركيبة الديموغرافية وإزالة الهوية القومية الكوردية لتلك المناطق ذات التربة الخصبة والمياه الوفيرة والموارد المتعددة الأصناف وفي مقدمتها البترول والمنتوجات الزراعية.. والوصول بالتالي إلى خلق فتنة بين المكوّنين القوميّين الأساسيّين داخل الدولة السورية لتحويلها إلى دولة ذات لون واحد يحكمها حزب البعث وحده ببرامجه الشوفينية والشمولية، ليتجسد بذلك مشروع «هلال» الاستيطاني.

إن ما يحز في النفس بعد خمسة عقود من البدء بتنفيذ هذا المشروع على أرض الواقع هو استمرار نتائجه المأساوية رغم تغيّر شكل السلطة وأدواتها، فلا يزال المستوطنون يتصرفون بتلك الأراضي تحت حماية «الإدارة الذاتية» التي أصبحوا جزءاً مدلّلاً منها، وما يزال أصحاب تلك الأراضي من الملاّكين والمزارعين الكورد محرومين من حقوقهم في أراضيهم، بل لقد تسببت السياسات التدميرية في نزوحهم من مناطقهم ولجوء قسم كبير منهم إلى خارج البلد لتتقلص نسبة الكورد في مناطقهم إلى مستويات مرعبة. كما أن السياسات التي تطبق في المناطق الأخرى وخاصة عفرين وسريكاني وگريسپي والجرائم والانتهاكات التي ترتكب ضد المواطنين الكورد على نطاق واسع وبصورة متكررة ويومية منذ أكثر من ست سنوات تستهدف وتلعب دوراً كبيراً في تقلّص عددهم وتدنّي نسبتهم وتغيير التركيبة الديموغرافية في تلك المناطق.

إننا في هذه المناسبة ندعو إلى وقفة وطنية عامة وكوردية خاصة، وموقف نضالي سليم وجريء يدعو إلى رفض نتائج ذلك المشروع، وإلغائه، بإزالة كافة مترتباته، والتوافق على تصور صيغة لحل هذه القضية بما يرضي المتضررين أصحاب الأراضي التي سلبت منهم، وتعويضهم عما لَحِق بهم خلال هذه السنين من ضرر وما فاتهم من نفع.. إنها ليست قضية قومية تخصّ الكورد فحسب، بل هي – بالإضافة إلى ذلك – قضية وطنية بامتياز، تلقي بأعبائها على كاهل كل من يدّعي الحرص على المصلحة الوطنية.

إن الحلّ الأمثل لهذه القضية يكمن في منع الانتهاكات المرتكبة في مناطق كوردستان سوريا، ومنع التغيير الديمغرافي، والعمل على توفير بيئة آمنة تضمن عودة اللاجئين والنازحين بشكل آمن وطوعي وكريم إلى مناطقهم الأصلية، وإلغاء كافة القوانين والمراسيم والتعاميم والسياسات والمشاريع الشوفينية المطبقة بحق الشعب الكوردي، ولاسيما مشروعي الحزام العربي، والإحصاء الاستثنائي ومجمل سياسات التعريب التي طالت مناطق التواجد الكوردي، ومعالجة أثارها وتعويض المتضررين منها، والعمل على إعادة الأوضاع الى ما كانت عليها سابقاً قبل تطبيق تلك السياسات، بإعادة جميع الأراضي والممتلكات إلى أصحابها ومستحقيها الأصليين وإلغاء جميع القوانين والقرارات التي استُملِكت وصودِرت بموجبها تلك الأراضي، وتعويض المتضررين من تلك السياسات، وإعادة السجلات المدنية للمستوطنين إلى أماكنهم السابقة، وإعادة واعتماد الأسماء الأصلية لجميع المدن والبلدات والقرى والأماكن التي تمّ تغيير أسمائها، وإعادة الجنسية السورية إلى جميع من جُرِّدوا منها وكذلك إلى جميع المكتومين، وتعويض المتضررين من عملية التجريد من الجنسية وما تبعها من تداعيات. وفي هذه المرحلة فإن تأمين حماية دولية لتلك المناطق وضمان إدارتها من قبل أهلها سيشكل أرضية للاستقرار ولتحقيق السلم والأمن المحليين، كما أنه من الأهمية بمكان سلوك سبيل الحوار بين القوى السياسية الكوردية الموجودة على الأرض للوصول إلى اتفاق كوردي يضمن تأمين حماية واستقرار هذه المناطق وإعادة النظر في الأساس القانوني والهيكلي لإدارتها من مختلف الجوانب، وتشكيل إدارة جديدة لكوردستان سوريا، بآليات ديمقراطية، وعبر تنظيم انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها جميع المكونات، وبرعاية وإشراف دوليين، بما يضمن استقلالية قرارها وسلامة موقعها في المعادلة السياسية الوطنية والإقليمية، وإنجاز حالة تلبي تطلعات الشعب وتمنع الذرائع عن الجهات المتربصة وتؤسس لعلاقات طبيعية مع الجوار الإقليمي.

في 23 حزيران 2024

المكتب التنفيذي
لحركة البناء الديمقراطي الكوردستاني – سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى