آراء و ومقالات

في مفهومي الأقلية و الأغلبية بين الغرب و الشرق

بقلم : شاهين الأحمد
بدون أدنى شك، وبصورة عامة، أن الأقليات وكذلك الأكثريات تتواجد جنباً إلى جنب في غالبية المساحات والمواقع في أرجاء المعمورة، ولكن العلاقة بينهما تختلف باختلاف البقعة الجغرافية، وكذلك فإن مفهومهما أيضاً مختلف من بلدٍ إلى آخر، وخاصةً أن الفرق كبير في مفهوم الأقليات وألوانها، وكذلك الأغلبيات وألوانها بين الغرب الديمقراطي المزدهر والشرق المستبد البائس! وكذلك فإنه لا الأقليات، ولا الأغلبيات ثابتة فيما يتعلق بالدور والمكانة في الغرب كونهما قد تتبدلان، وتتبادلان وتتغيران في كل دورة انتخابية. في حين أن الأقليات وكذلك الأغلبيات في شرقنا تبقى ثابتة وغير قابلة للتبدل أو التغير أو التبادل، وأي حديث عن محاولة التخلص من هيمنة تلك الأغلبية تعدُّ جريمة، وتدخل في خانة المؤامرة والتجاوز على المقدسات! .
وجدير ذكره أن الأغلبيات في الغرب تتشكل عبر صناديق الانتخاب، وهذه النتيجة والشرعية الشعبية تعطي لها الحق في تشكيل الحكومات طبقاً لدساتير واضحة. ولكن يختلط الأمر على شرائح لابأس بها من شعوبنا، وربما نخبها إلى حدٍ ما لدى تناولهم لمفهومي الأقلية والأغلبية في معرض البحث عن أسس بناء الدولة وإدارتها، ودرجة أحقية الأغلبية في الحكم المطلق، وكذلك تحديد هوية الدولة، وشكلها وطبيعة نظام الحكم فيها! لكن أية أغلبية وأية أقلية نحن بصدد توضيح الفرق بينهما؟ وهل الأغلبية والأقلية التي نتحدث عنها هنا في بلدان الشرق الأوسط وخاصة الدول المتعددة القوميات والأديان والمذاهب مثل بلدنا سوريا، هي نفس الأغلبية والأقلية التي نجدها في بلدان الغرب التي يتم فيها تداول السلطة بشكل شبه دوري؟ أم أن هناك فروقات كبيرة في التفسير لمفهومي الأغلبية والأقلية في تلك البلدان الديمقراطية، وبين بلداننا التي حكمت من قبل الاستبداد والشمولية؟ وكذلك مامدى الفرق بين دور الأقليات في الغرب ومنطقتنا لجهة مراقبة عمل حكومة الأغلبية، وتنبيهها للأخطاء وتقويم عملها، ومايقابله من عداء وإقصاء وتهميش بين الطرفين في منطقتنا؟ .
من الأهمية بمكان هنا الإشارة إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين الأغلبية في بلداننا وبين الأغلبية في البلدان التي تحكمها نتائج صناديق الانتخاب، حيث هنا في منطقتنا الأغلبية هي أغلبية قومية أو دينية أو طائفية، وتُستخدم هذه الأغلبية كوسيلة إقصاء للأقلية العددية ( حكم الشيعة في العراق )، لأن منطلق الأغلبية ناتج عن مفاهيم خارج حدود الثقافة الوطنية، كون مجتمعاتنا مازالت تعيش خليطاً من التشكيلات الاجتماعية – الاقتصادية طبقاً لوسائل الانتاج، حيث نجد في بلدنا تشكيلات رعوية – زراعية، وأخرى قبلية – عشائرية، وأخرى دينية – مذهبية، وأخرى مدنية – برجوازية، وكذلك نلاحظ أن ثقافة المجتمع الأهلي هي السائدة لدى السواد الأعظم من مساحة الوطن، وماتزال ثقافة المجتمع المدني ضعيفة وخجولة، وثقافة المجتمع الوطني التي تشكل أساساً لدولة المواطنة المتساوية مغيبة تماماً. وبالتالي أي حديث عن الأغلبية في هذه الحالة يعني حصراً أننا في شباك إحدى الأنواع المذكورة ( أغلبية قومية أو دينية أو طائفية )، وبالتالي الأغلبية في منطقتنا ليست أغلبية سياسية – وطنية جامعة للهويات الفرعية . وتتحول تلك الأغلبية إلى مظلة لشرعنة الإلغاء والإقصاء والاستئثار بالسلطات والثروات ، وتجري من خلالها محاولات إذابة بقية المكوّنات الأقل عدداً في بوتقة تلك الأغلبية وعبر أساليب تتخللها كوارث وجرائم إبادة جماعية كما حصل لأبناء الشعب الكوردي في كوردستان العراق من خلال عمليات الأنفال والقصف الكيميائي وغيرها بحجة أن الكورد في العراق هم أقل عدداً من العرب، وبالتالي على الكورد – حسب المفهوم الشرقي للأغلبية في منطقتنا- أن يتقبلوا بكل ما يحلو لتلك الأغلبية من ممارسات لا إنسانية وإجبار الأقليات على التخلي عن لغتهم وتاريخهم و خصوصياتهم وحقوقهم وممتلكاتهم كونهم أقل عدداً من العرب! وهكذا نلاحظ أن الكورد في سوريا أيضاً تم معاملتهم من قبل نظام البعث بنفس الطريقة، وتم حرمانهم من أبسط حقوقهم القومية، ونفذت بحقهم مشاريع عنصرية، وسنت قوانين خاصة استثنائية بغرض القضاء على وجودهم ومحو هويتهم القومية . والمؤسف أن “غالبية” الذين تصدروا المشهد المعارض خلال مراحل الأزمة لا يختلفون كثيرا عن البعث و نظامه فيما يتعلق بوجود وحقوق بقية مكونات الشعب السوري من غير العرب!. في حين نرى في البلدان التي تحكمها تقاليد ديمقراطية عريقة مثل بلدان أوروبا الغربية وكذالك الولايات المتحدة الأمريكية نلاحظ أن هناك تقسيمات إدارية صغيرة في بعض الولايات لإتاحة المجال أمام مجموعات عرقية – محلية صغيرة لانتخاب مرشّحها المفضل، والمساهمة في إدارة الدولة وتقديم الخدمات. بعكس مايجري في بلداننا حيث يتم تصميم قوانين الانتخابات بحيث تتمكن تلك الأغلبيات من إشباع رغباتها وإقصاء مكوّنات محددة من حقها في انتخاب ممثليها فيما إذا حدثت معجزة وكانت هناك إنتخابات حقيقية .
ومن الأهمية بمكان التوضيح هنا بأن هناك فرقاً كبيراً بين الأقليات القومية والأقليات العددية لجهة الخصوصية و الاستحقاقات ، حيث الأقليات القومية يقصد بها تلك المجموعات القومية التي تترك بلدانها، وتهاجر لأسباب سياسية أو نتيجة عوامل أخرى مثل الحروب أو التهجير أو عوامل طبيعية تتعلق بالظروف المعيشية وغيرها وتستقر وسط قوميات أخرى أكثر عدداً وعلى أرضها. ولكن الأقليات العددية تختلف وضعها القانوني وبالتالي استحقاقاتها. فمثلاً المكون الكوردي في سوريا أقلية عددية وليس أقلية قومية لأن الكورد في سوريا عبارة عن شعب يعيش على أرضه التاريخية، تلك الأرض التي بقيت مع ذاك الشعب داخل الحدود الإدارية – السياسية الحالية للدولة السورية بموجب اتفاقيات دولية بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى وخاصة فرنسا وبريطانيا مثل اتفاقية سايكس – بيكو لعام 1916 وكذلك اتفاقية لوزان لعام 1923 . بينما المكون الأرمني الكريم وضعه القانوني مختلف تماما لأنه يشكل أقلية قومية مهاجرة . والسؤال الذي يطرح نفسه على أبناء الشعب السوري الذي تعرّض للقتل والتهجير هو : ماهو الشكل الأنسب للديمقراطية الذي قد يناسب بلدنا المتنوع قومياً ودينيا و مذهبياً، ويتيح المجال أمام الجميع دون تمييز للمشاركة في الحكم والإدارة، وينعم الجميع بثروات البلد، ويقطع الطريق على إعادة استنساخ تجربة البعث المدمرة؟.
وبعد أن شاءت الأقدار وتقاطعت مصالح الكبار وسقط البعث وانهار نظام القتل يجب أن يدرك جميع السوريين أنه بدون وضع آليات وضوابط واضحة، ومواد فوق دستورية لتنظيم العلاقة بين النظام المستقبلي ومختلف مكوّنات الشعب السوري و على أسس الشراكة والتوافق في إدارة الدولة و الحكم سيبقى الصراع مستمراً بين الأغلبية والأقلية بشكل دائم حتى في ظل حكم ديمقراطية الأغلبية القومية أو الدينية أو المذهبية، وسيبقى الخلل في معادلة الشراكة الحقيقية في الإدارة والحكم وتوزيع الثروات . لذلك على جميع النخب الوطنية ومن مختلف المكونات واجب البحث عن صيغة أو شكل ينهي هذا الصراع، ويحقّق التوازن في هذه العلاقة الإشكالية.
ومن هنا علينا أن نتيقن بأن الدستور السوري المستقبلي يجب أن يتضمن مواد فوق دستورية ضامنة لحقوق مختلف مكونات الشعب، ووفق ضوابط واضحة، لقطع الطريق على أية محاولة من جانب الأغلبية العددية من شأنها حرمان المكونات الأقل عدداً من حقوقها وبيان آليات العمل الديمقراطي وفق مبدأ التوافق الذي يناسب مجتمعاتنا المتنوعة قومياً ودينياً ومذهبياً، وفسح المجال لمشاركة الجميع في عملية البناء والإدارة والحكم . وهنا من الأهمية التأكيد على نقطةٍ هامة وهي أن البرلمان السوري المستقبلي يجب أن يتكون من غرفتين أو مجلسين، مجلس للمكونات يتخذ القرارات توافقياً وله صلاحية القرارات المصيرية داخلياً وخارجياً. ومجلس لنواب الشعب على أساس النسبة لكل مكون وكل منطقة، ويعود إليه صلاحية التشريعات …. وللحديث بقية .

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
شاهين الأحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى