بيانات و توضيحات

قراءة في المشهد السياسي لسوريا وجوارها الإقليمي

من غير المرجح أن يطرأ الكثير من التحولات السياسية على الموقف الإيراني الخارجي بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له، فإيران كما هو معروف تحكمها مؤسسات أمنية وعسكرية معقدة ومتدرجة، ولا أهمية تذكر في تعامل الرئيس أو غيره من الشخصيات مع الملفات الوطنية الساخنة لأن كافة السلطات والمؤسسات تعود في مرجعيتها الى المرشد الأعلى، وهذا ما يسلب الانتخابات دورها ويبقي إيران في خانة الأنظمة الاستبدادية.

وفي إطار سعيها للحفاظ على علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الاقليميين، وإدراكاً منها بعدم جدوى محاولة فرض نفوذها على المنطقة الإقليمية عبر بعض الميليشيات المحلية بسبب تواجد قوى إقليمية ودولية قادرة على ردعها وبتر أذرعها، تلجأ إيران الى الخيار الدبلوماسي، والدخول في مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة عبر سلطنة عمان، والتواصل المباشر مع المملكة العربية السعودية، متذرّعةً بأن الأمن القومي الإيراني بات بحاجة الى الانفتاح على الجوار الإقليمي.

وبالنسبة لسوريا يبدو أنه لا توجد حتى الآن مؤشرات تدل على حدوث تغييرات ملفتة في الوضع الميداني، ولن تكون هنالك اختراقات كبيرة باتجاه السير نحو حلّ سياسي واقعي للأزمة السورية. وبدا هذا جلياً في الإحاطة الأخيرة حول سوريا التي قدمها المبعوث الخاص للأمم المتحدة گير پيدرسون لمجلس الأمن الدولي في الثلاثين من أيار المنصرم حيث اختصر الحالة بأن الشعب السوري يرزح تحت عبء أزمة عميقة تزداد رسوخاً بمرور الوقت، مع غياب مسار سياسي واضح لتنفيذ القرار 2254، ما يهدد باستمرار الانقسام واليأس لفترة طويلة، مؤكداً على أنه في غياب مسار سياسي شامل تزداد الاتجاهات السلبية رسوخاً، ما يشكل أخطاراً كبيرة على السوريين والمجتمع الدولي بشكل أوسع. كما كان ملفتاً في هذه الإحاطة تأكيد السيد پدرسون على أنه «ببساطة لا يمكن إدارة الصراعات العميقة والمعقدة أو احتوائها إلى الأبد، بل يجب أن يكون هناك أفق سياسي لحلها وأكثر شمولاً أيضاً، ولهذا السبب فإن تمهيد الطريق لمقاربة جديدة أمر منطقي».

وفي السياق ذاته وبمناسبة مؤتمر بروكسل الثامن حول «دعم مستقبل سوريا» أكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي على ضرورة مضاعفة الجهود لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية بشكل ينسجم مع تطلعات الشعب السوري، قائلاً أن الاتحاد الأوروبي تعهّد في مؤتمر بروكسل بتقديم 2.17 مليار دولار لدعم اللاجئين السوريين في المنطقة، في حين أعلنت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عن تقديم حوالي 593 مليون دولار من المساعدات الإنسانية الأمريكية إلى سوريا، وأنه مع هذا الإعلان يصل إجمالي المساعدات الإنسانية التي قدمتها الحكومة الأمريكية لسوريا والمنطقة إلى حوالي ملياري دولار منذ بداية العام المالي 2023 وأكثر من 17,8 مليار دولار منذ بداية الأزمة الممتدة منذ 13 عاماً، مشددةً على أن الحل السياسي المتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 يبقى السبيل الوحيد لإنهاء معاناة الشعب السوري، مع التأكيد على مواصلة «تعزيز احترام كرامة كافة السوريين وحقوق الإنسان الخاصة بهم» وكذلك «دعم المجتمع المدني السوري في سعيه إلى العدالة والمساءلة عن مخالفات وانتهاكات حقوق الإنسان».

وفي حين مدّد الاتحاد الأوروبي أنظمة العقوبات ضد سوريا حتى الأول من حزيران 2025، أصدرت محكمة الجنايات الفرنسية أحكاماً غيابية بالسجن المؤبد على كل من علي مملوك (مستشار رئيس النظام حالياً والرئيس السابق لمكتب الأمن القومي سابقاً) وجميل حسن (رئيس جهاز المخابرات الجوية سابقاً) وعبد السلام محمود (رئيس فرع التحقيق سابقاً)، لضلوعهم في أعمال جنائية خطيرة وجرائم ضد الإنسانية وخاصةً باعتقال وإخفاء قسري وبتعذيب وقتل المواطنَين الفرنسيين من أصل سوري مازن دباغ وابنه باتريك. ويضاف هذا إلى القرارات والإجراءات الأخرى التي يقوم بها القضاء الوطني في بعض الدول الأوربية في نطاق الصلاحية العالمية.

أما الموقف العربي فتجلى بوضوح في القمة العربية الثالثة والثلاثين التي انعقدت في البحرين أواسط شهر أيار الماضي، حيث تم التأكيد في البند السادس من بيانها الختامي على «ضرورة إنهاء الأزمة السورية، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، وبما يحفظ أمن سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، ويحقق طموحات شعبها، ويخلصها من الارهاب، ويوفر البيئة الكفيلة بالعودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين».

أما بالنسبة لانتخابات «مجلس الشعب» التي يجريها النظام في منتصف شهر تموز القادم، فهي تعتبر نسخة مكررة عن سابقاتها، وتفتقر إلى أدنى مقومات البيئة الانتخابية الآمنة والمحايدة، كما تجري في أجزاء محدودة من الجغرافية السورية المقسمة عملياً إلى عدة مناطق نفوذ، وهذا لوحده يكفي لسلبها عنصر الشرعية، ناهيك عن كونها انتخابات صورية لمؤسسة مصادرة من قبل النظام. ونشير هنا إلى ما ذكره بهذا الصدد المبعوث الخاص گير پيدرسون في إحاطته المشار إليها أعلاه، حيث رأى أن هذه المسارات (يقصد انتخابات «مجلس الشعب» والانتخابات المحلية لـ «الإدارة الذاتية») «ليست بديلاً عن عملية سياسية شاملة تفضي إلى دستور جديد متفق عليه وانتخابات لاحقة وفقاً لما نصّ عليه قرار مجلس الأمن 2254، وفي غياب هذا المسار السياسي فإننا نواجه خطراً شديداً بأن يستمر السوريون في الانجراف بعيداً عن بعضهم البعض بما يساهم بشكل أكبر في تآكل سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها».

من جانب آخر كان لتصريحات وزير الدفاع التركي يشار غولر حول الانسحاب من سوريا أهمية خاصة؛ باعتبارها من جهة تضمنت شروطاً للانسحاب، وخاصة ضمان بيئة آمنة وأمن الحدود التركية، ومن جهة ثانية تزامنت مع تأكيد دولت باخجلي زعيم حزب الحركة القومية في تركيا وحليف أردوغان على أنه حان الوقت لإعادة العلاقات بين سوريا وتركيا، كما توازت مع تصريحات رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الذي أكد على أن العراق يسعى إلى المصالحة بين سوريا وتركيا وأنه على اتصال مع رئيس النظام بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب اردوغان «بشأن جهود المصالحة».

أما بالنسبة للانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في مناطق «الإدارة الذاتية» في النصف الأول من هذا الشهر فهي بدورها تفتقر إلى الشروط السياسية والقانونية المطلوبة وكذلك إلى البيئة الأمنية والمحايدة. وإذ لا تشمل هذه الانتخابات مناطق أو مقاطعات هامة تعتبرها «الإدارة الذاتية» ضمن نطاقها، كمناطق عفرين ومناطق في شمال حلب وسريكاني وگريسپي، فإنها تجري في ظل وضع لا يرتقي إلى ما يطمح إليه الشعب؛ إذ تجري – كما الانتخابات التي سبقتها – من قبل جهة تتفرد بالسلطة وفي وضع أسسها القانونية والإجرائية دون العودة إلى القوى الأخرى الموجودة على الأرض والتوافق معها على وضع أسس مرجعية من خلال حوار جديّ وبنّاء برعاية دولية يتمخض عن اتفاق كوردي – كوردي يضمن إعادة النظر بالأساس القانوني والهيكلي للإدارة من مختلف جوانبها بما يضمن استقلالية قرارها وسلامة موقعها في المعادلة السياسية الوطنية والإقليمية. ولا بد هنا من الإشارة إلى الموقف الأمريكي الذي جاء على لسان فيدانت باتيل، نائب المتحدث الرئيسي لوزارة الخارجية الأمريكية حيث صرح بأن «أي انتخابات تجرى في سوريا يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، كما دعا إليه قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ولا نعتقد أن الظروف لمثل هذه الانتخابات موجودة في شمال شرق سوريا في الوقت الحاضر».

وعلى الأرض بقيت الأوضاع على حالها مع ازديادها سوءاً، فقد شهدت بعض المناطق الخاضعة لـ«الإدارة الذاتية» احتجاجات شعبية واسعة بسبب تخفيض سعر محصول القمح لهذا العام بالمقارنة مع السعر المعتمد لنفس المحصول في الأعوام السابقة، وبحسب القرار الصادر عن هيئة الزراعة والري التابعة لـ«الإدارة الذاتية»، بلغ تحديد سعر شراء المادة 31 سنتًا للكيلوجرام والذي يخضع بدوره لنظام الدرجات العادية، في حين حددته العام الماضي بسعر 43 سنتًا للكمية نفسها، حيث ان السعر المعلن لا ينسجم ولا بأي شكل من الأشكال مع تكاليف الإنتاج وفق بعض المقاربات الأولية، فثمة عوامل أساسية يجب الأخذ بها حين تحديد أسعار السلع الزراعية، سيما تلك المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والقطن، وبدون ذلك تتحول العملية الى العبث بالمقدرات، والتلاعب بمصير المزارعين والفلاحين الذين يعملون في هذا القطاع الحيوي، فسكان الجزيرة السورية كما هو معروف لا يملكون من مصادر الدخل غير العمل الزراعي. ولعل أبرز العوامل التي تدخل في عملية تحديد قيمة السلع الزراعية، الأسعار العالمية لهذا المحصول، تكلفة انتاجه، أسعار المحاصيل المنافسة، ومعدل التضخم في البلاد، الى جانب العرض والطلب، وبدون ذلك تعتبر عملية تحديد الأسعار عملية عبثية.

في 3 حزيران 2024

المكتب التنفيذي
لحركة البناء الديمقراطي الكوردستاني – سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى