أخبار الحركةبيانات و توضيحات

قراءة في المشهد السياسي

بعد الحرب الإسرائيلية على أذرع إيران في المنطقة، وسقوط نظام الأسد في سوريا، والضربات الإسرائيلية والأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية، وبعض المراكز العسكرية والأمنية، ومنشآت إنتاج الصواريخ البالستية، تشير كافة الدلائل على أن هناك تحولات جيوستراتيجية كبيرة تنتظرها منطقة الشرق الأوسط، وستكون لها تداعيات أمنية واقتصادية وسياسية كبيرة لن يقتصر تأثيرها على المنطقة فقط بل نسبياً على العالم والعلاقات الدولية.

بدون شك أن إطالة أمد الأزمة السورية أدت إلى دخول العديد من الأطراف الإقليمية والدولية في الساحة السورية، وبعد سقوط النظام اشتد الصراع والتنافس على سوريا، وخاصة بعد تراجع النفوذ الإيراني لصالح إسرائيل وتركيا، ومحاولة السعودية تأكيد الحضور العربي في سوريا وعدم تكرار تجربة العراق لجهة غياب الدور العربي. وجدير ذكره أن إسرائيل هي رأس الحربة في التحولات الجارية، لا بل تقود تلك التغييرات، وقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واضحاً تماماً في معرض تقييمه للأعمال العسكرية ضد إيران حيث قال عقب توقف العمليات العسكرية أن إسرائيل “تعمل على تغيير وجه الشرق الأوسط”، وأن بلاده باتت “أقرب إلى تحقيق أهدافها” فيما يخص إيران وخاصة بعد بتر أذرعها وخاصة حماس وحزب الله اللبناني ونظام الأسد.

وبالنظر إلى ما يدور في منطقة الشرق الأوسط من أحداث خلال السنوات والعقود الاخيرة يمكن القول إن المحرك الفعلي لكل هذه الأحداث هي دولة إسرائيل، وعند تخومها تتبدل كل الوقائع والأحداث، وستتغير وجهتها حسب أغلب التحليلات، حيث أن منطقة الشرق الأوسط باتت تقف على أعتاب تغييرات حقيقية تنتهي بموجبها التحالفات السياسية التي تشكلت سابقاً على ارضية العداء لإسرائيل، وستحل محلها تحالفات سياسية وإقتصادية وبنى أمنية جديدة قوامها الإستقرار والسلام الدائم المبني على أولوية المال والإقتصاد. ومن الواضح أن إسرائيل باتت جادة أكثر من أي وقت مضى في المضي قدماً نحو إنجاز هذا الهدف من خلال التصالح مع محيطها العربي والإسلامي، عبر مواصلة عمليات التطبيع واستكمال “الاتفاقيات الإبراهيمية” المعروفة التي أبرمتها مع عدد من الدول العربية برعاية الولايات المتحدة الامريكية، والتخلص التدريجي من تبعات الحروب التي فرضت عليها خلال العقود الماضية، وترى – إسرائيل – أنه بات من الضروري العمل على إحداث تغييرات جيوسياسية حقيقية في جوارها الإقليمي، حتى لو أستدعى ذلك استخدام المزيد من القوة والحد من نفوذ بعض القوى الإقليمية مثل إيران وغيرها، وإنتزاع مبادرة الحرب من الدول العربية المجاورة بحيث تحظى إسرائيل كدولة من الآن فصاعداً بفرصة البقاء والعيش بدون حروب.

ومن جانب آخر تحاول إسرائيل تأكيد حضورها في المشهد السياسي السوري الجديد (قيد التشكل)، وفرض هيمنتها، سيما بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة فصائل إسلامية على الحكم في سوريا، وبروز ملامح منافسة سياسية وعسكرية قوية بينها وبين تركيا. وبالرغم من استبعادنا بأن تنزلق تلك المنافسة إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين على الساحة السورية، لكن مصالحهما المتضاربة قد تبقي على دوام التنافس والدفع نحو إعادة رسم خارطة التوازنات والنفوذ داخل سوريا ومحيطها.

ونظراً لوجود مساحة مشتركات عقائدية بين الحزب الحاكم في تركيا، والفصائل التي تسيطر على الإدارة الانتقالية في سوريا، فإن تركيا ترى في تلك المشتركات فرصة مهمة لتوسيع نفوذها المحصور في شمال غرب سوريا لتشمل مفاصل مؤسسات القرار السياسي في دمشق، وذلك عبر أدوات ناعمة، ودعم مشاريع إعادة الإعمار والتعليم وما إلى ذلك، أما إسرائيل فإنها لا تخفي توجساتها من الفصائل المتحكمة بالإدارة الانتقالية تلك، وخاصة أنها في غالبيتها ذات خلفيات جهادية ترى في ذلك تهديداً لأمن حدودها. لكن بالرغم من كل تلك المخاوف فإنها ترى أن هناك إمكانية للتوصل إلى ترتيبات أمنية معقولة وربما إلى تعاون أوسع يتجاوز الأمن الحدودي، ويرتقي إلى مستوى التطبيع السياسي الكامل، ما قد يخلق الاطمئنان لدى إسرائيل، وهذا ما تسعى إليه كل من إسرائيل وإدارة ترامب بدعم مباشر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومحاولة ترتيب لقاء علني بين الشرع ونتنياهو في أيلول القادم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. كما أن ماقامت بها الإدارة الانتقالية في دمشق من ماسمي “بمؤتمر الحوار الوطني” وكذلك الإعلان الدستوري الإشكالي، والحكومة المؤقتة، والترتيبات الجارية بتشكيل “مجلس الشعب”، كلها تصب في مسار إعادة إنتاج نظام مركزي بلون طائفي – أيديولوجي آخر.

في 7 تموز 2025

الهيئة التنفيذية
لحركة آزادي الكُردستاني في سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى