مبدأ مونرو

قضايا عالمية – من ارشيف السياسة
عقيدة مونرو.. الشيطان يعظ
رشا عبدالوهاب
الرئيس الأمريكى الأسبق جيمس مونرو

من بين الكلمات السحرية التى كان لها تأثير «التنويم المغناطيسي» فى السياسات الأمريكية، كانت عقيدة أو مبدأ مونرو الأكثر تأثيرا. فهذه العقيدة مقترنة بما وصف بـ «العصر الذهبي».
أسس الرئيس الأمريكى جميسى مونرو الرئيس الخامس للولايات المتحدة فى الفترة من ( 1817 إلى 1825) لهذا المبدأ أو هذه العقيدة ٢ ديسمبر عام ١٨٢٣، والتى تمثلت فى معارضة بلاده للاستعمار الأوروبى «الإمبريالية» فى الأمريكتين، واستندت على أربعة أسس، منها أن الولايات المتحدة لن تتدخل فى أى صراعات بين القوى الأوروبية، وأن أى جهود أبعد من قبل الدول الأوروبية للسيطرة على أى دولة مستقلة فى الأمريكتين سيتم اعتبارها مؤشرا على إجراءات غير صديقة، وأن الولايات المتحدة لن تعترف أو تتدخل فى المستعمرات الأوروبية الموجودة ولن تتدخل فى الشئون الداخلية للدول الأوروبية.
وصدر المبدأ مع حصول كل المستعمرات بأمريكا اللاتينية على الاستقلال من الإمبراطوريات البرتغالية والإسبانية. ومع نهاية القرن الـ19، تم النظر إلى إعلان مونرو، خلال الخطاب السابع لحالة الاتحاد أمام الكونجرس، على أنه من اللحظات الفارقة فى السياسة الخارجية الأمريكية، وواحدة من أطول العقائد التى تم العمل به، حيث تبناها الساسة وعدد من الرؤساء اللاحقين، ومن بينهم يوليسيس جرانت وثيودور روزفلت وجون كينيدى ورونالد ريجان، واستمر العمل بها عشرات السنين مع استثناءات قليلة، وكان الهدف الرئيسى منها تحرير المستعمرات المستقلة حديثا من أمريكا اللاتينية من الاستعمار الأوروبى وتجنب وضع أن يصبح العالم الجديد ساحة معركة لقوى العالم القديم، وهو ما يمكن أمريكا من ممارسة نفوذها دون عائق.
ورأى أحد مؤلفى العقيدة، وهو جون كوينسى آدامز، وزير الخارجية وقتها والذى تولى الرئاسة فى وقت لاحق، أنها تمثل المعارضة الأخلاقية للاستعمار، إلا أنها تم تفسيرها وتطبيقها بطرق مختلفة، ومع صعود الولايات المتحدة كقوة عظمى تحولت «عقيدة مونرو» إلى مجال «معترف به» من السيطرة لم يتجرأ أحد على مواجهتها.
ولمبدأ مونرو جذور عميقة منذ ظهور أمريكا، التى بدت كدولة منعزلة بعد إعلان استقلالها، وظهرت هذه الجذور خلال رئاسة جورج واشنطن، الذى تبنى سياسة الانعزالية، وهى السياسة التى وصفت بأنها تحدث تكاملا مع عقيدة مونرو، وقال ألكسندر هاميلتون، أحد كتاب «الأوراق الفيدرالية» التى دعت إلى إقرار الدستور الأمريكي، إنه يرغب فى أن تكون الولايات المتحدة قوى عظمى تسيطر على فضاء النفوذ الأوروبى خصوصا فى أمريكا الشمالية، إلا أن مونرو وسع الرؤية ليشمل ذلك أمريكا اللاتينية.
وعلى مدى عقود، تم اشتقاق سياسات جديدة من «عقيدة مونرو»، ومنها «الأخ الأكبر» التى صاغها وزير الخارجية الأمريكى جميسى بلاين خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر، والتى تهدف إلى حشد اللاتينيين خلف القيادة الأمريكية وفتح أسواقهم أمام التجار الأمريكيين.
وأضاف روزفلت إلى «مونرو» الأساس المنطقى لدعم التدخل فى مستعمرة كوبا الإسبانية عام 1898، وفى أزمة فنزويلا (1902 إلى 1903)، والتى أظهرت للعالم أن أمريكا ترغب فى استخدام قوتها البرية لفرض وجهة النظر الأمريكية على العالم.
وخلال الحرب الباردة، تم استخدام «مبدأ مونرو» كذريعة لمنع انتشار الشيوعية فى أمريكا اللاتينية، وهو ما جعل واشنطن تقدم الدعم المالى والمخابراتى للحكومات اللاتينية فى أمريكا الجنوبية التى بدت أنها تقاوم الشيوعية.
وخلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، استخدم الرئيس جون كينيدى العقيدة كأساس للمواجهة مع الاتحاد السوفيتى لقيامه بنشر صواريخ على الأراضى الكوبية.
وفى عهد إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، أعلن وزير خارجيته جون كيرى عن «نهاية عقيدة مونرو»، وبرر البعض هذه التصريحات بأنها تعنى الحفاظ على نوايا مونرو وقتها بديلا عن التفسيرات اللاحقة لعقيدته.
وخلال الإدارة الحالية، تحدث الرئيس دونالد ترامب عن العقيدة بشكل ضمنى فى 2017 عندما أشار إلى احتمال التدخل العسكرى فى فنزويلا بعد تحذيرات من مايك بومبيو، الذى كان يشغل وقتها مدير سى آى إيه، من أن الوضع فى كاراكاس تدهور بسبب التدخل الإيرانى والروسي، وامتدح ريكس تيلرسون وزير الخارجية السابق العقيدة، ووصفها بأنها «نجاح واضح»، محذرا من الطموحات التجارية للصين.
وقد تعددت التفسيرات لمبدأ مونرو من الدفاع عن الاستقلال إلى تبرير التدخل العلنى والسرى فى شئون الدول الأخرى عبر رفع شعارات «الأخ الأكبر» و«العصا الغليظة» و»شرطى العالم»، وغيرها من السياسات التى تسببت فى تحول دول إلى «فاشلة» بتوقيع أمريكي، وبعد الانتهاء من المهمة «المقدسة» يعود الجنود أو العملاء إلى «الوطن».