آراء و ومقالات
أخر الأخبار

مقاربة بين الديموقراطية التمثيلية والديموقراطية المباشرة

هل يمكن إقامة نظام ديمقراطي بدون أحزاب سياسية؟

مقاربة بين الديموقراطية التمثيلية، والديموقراطية المباشرة.

علي مسلم

يبدو واضحا الآن، أن الخط البياني لعزوف نسبة لا بأس بها من النخب عن المؤسسات السياسية التقليدية في مختلف أنحاء العالم في تصاعد مستمر، وعلى سبيل المثال فقد هبطت شعبية الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة الامريكية في الوقت الراهن إلى الحضيض، ويواجه الحزبان الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة انتقادات واسعة، لا لأنهما لا يمثلان الشعب فحسب، بل أيضا لأنهما أصبحا يلبيان مصالح النخبة السياسية المتحكمة فيهما على حساب جمهور الناخبين.

والدليل على ذلك أن نسبة متزايدة من الناخبين الأمريكيين، تعادل 38 في المئة في عام 2018، ذكروا أنهم لا ينتمون لأي من الحزبين. وهذه النسبة الآن أكبر من نسبة الناخبين الذين يعتبرون أنفسهم إما جمهوريين أو ديمقراطيين.

بيد أن هذه الظاهرة ليست حكرا على الولايات المتحدة لوحدها، ففي أوروبا على سبيل المثال، اتُهمت أحزاب اليسار المعتدل التي تمتلك قاعدة شعبية قوية في المعتاد، بأنها تتجاهل ناخبيها، وربما أسهمت في إشعال الغضب الشعبي الواسع الذي أدى إلى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، كما أن تجربة الرئيس التونسي قيس سعيد الذي يحاول تدشن مبدأ الديموقراطية المباشرة، أي بمعنى الغاء دور الأحزاب في تشكيل وقيادة الرأي العام، لكن السؤال هل من الممكن أن ينهض النظام الديمقراطي في أي مجتمع من دون أحزاب سياسية؟

وانطلاقا من التعريف السائد فإن الأحزاب السياسية هي منظمات تم إنشاؤها على وجه التحديد للتعبير عن الإجماع، وتسهيل مشاركة المجتمع في صنع القرار السياسي، وتوجيه الطابع التمثيلي للديمقراطية، وعليها تتأسس جهات القانون والمنظمات التي تعبر عن الحقوق الفردية من خلال توافق الآراء، بقدر ما لا يمكن تشكيلها إلا نتيجة التعاطف والتوافق السياسي والبرنامجي لمجموعة من المواطنين، على أساس ممارسة حقهم في التنظيم والمشاركة في الحياة السياسية.

ويلخص عالم السياسة الإيطالي دانييلي كاراماني بشكل جيد للغاية وظائف الأحزاب في الديمقراطية: حيث يقول ” أن عمل الديمقراطية يعتمد على الأحزاب والوظائف التي تؤديها، وأهمها هيكلة التصويت، بحيث تقدم الأحزاب بدائل سياسية ينتخبها المواطنون ويفوضون الممثلين، الذين يكونون مسؤولين أمام الناخبين”.

وقد أثارت هذه الكراهية الشعبية المتزايدة تجاه الأحزاب السياسية جدلا واسعا بين خبراء العلوم السياسية. ويرى المدافعون عن النظام السياسي التقليدي أن الديمقراطية تعتمد على فصائل سياسية قوية ومنظمة وجديرة بالثقة. في سياق أخر تقول نانسي روزينبلوم، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد: “كثيرا ما يحاول الناس في عالم السياسة الالتفاف على الأحزاب السياسية ومخاطبة الشعب مباشرة. لكن في الواقع، من دون أحزاب سياسية، ستبقى الساحات مشرعة للفوضى”.

وفي المقابل، يرى فريق أخر من الباحثين، أكثرهم في ريعان الشباب، أن الوقت قد حان لرسم ملامح نظام ديمقراطي مباشر وأكثر انفتاحا، يتراجع فيه دور الأحزاب السياسية ورجال السياسة التقليديين، عبر تبني مبدأ الديموقراطية المباشرة، او الديموقراطية النقية، والتي يتم تطبيقها مباشرة من قبل الشعب من دون وسطاء، وبالتالي من دون أحزاب كما كان في اليونان القديمة التي كانت تمنح المواطنين القادرين على التصويت بأنفسهم للتصويت على القوانين والقرارات الحاسمة بدلا من انتخاب ممثلين عنهم، وهو ما جعل منها ديمقراطية قاصرة.

في سياق مشابه يقول عالم الاجتماع الألماني ماكس فور” ان الديمقراطية من دون أحزاب لا يمكن تصورها” فالدساتير التي تمت صياغتها بعد الحرب العالمية الثانية اعترفت بالدور الأساسي للأحزاب في الديمقراطية التمثيلية، ودسترة وظائفها، ومن ذلك مثلا أن القانون الأساسي الألماني لعام 1949 نص في مادته الـ21 على أن “تشارك الأحزاب في تكوين الإرادة السياسية للشعب. يجب أن يستجيب تنظيمها الداخلي للمبادئ الديمقراطية”. وجاء في الفصل الأول من الدستور الإسباني لعام 1978، المادة 6، أن “الأحزاب السياسية تعبر عن التعددية السياسية، وتساهم في تكوين الإرادة الشعبية وإظهارها، وهي أداة أساسية للمشاركة السياسية. ويتم إنشاؤها وممارسة نشاطها بحرية في ظل احترام الدستور والقانون. يجب أن يكون هيكلها الداخلي وعملها ديمقراطيين”.

فهدف الأحزاب إذاً هو تأطير قدرات الناس، وذلك ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لدفعهم إلى العمل والسير نحو التغيير العميق، لهذا يمكن القول إنه إذا ألغيت الأحزاب فلن يكون ذلك إلا في أفق إلغاء الدولة نفسها، كما أنه يتوجب الإشارة الى أن الغاء الأحزاب سيفضي في نهاية الأمر الى الشعبوية المقيتة، وسيكون ذلك وسيلة في ولادة ديكتاتوريات فردية ترى الساحة متاحة امامها لفرض الاستبداد دون منازع؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى