نحو جمهورية سورية اللامركزية… وجهة نظر

علي مسلم
مدخل:
منذ أن تم ترسيم الحدود السياسية بين سوريا وتركيا عام 1926، خضع السكان على طرفي الحدود بشكل رسمي الى ضوابط قانونية حدودية معينة، وذلك بموجب مخرجات سايكس بيكو عام 1916 وبذلك تم طي صفحة التواصل الجغرافي المفتوح، دون الاكتراث للروابط الاجتماعية والسياسية التي تشكلت عبر ألاف السنين، وعلى أساسها خضع السوريين صورياً إلى النفوذ الفرنسي، وبدأ بالتزامن مع ذلك بروز ملامح تشكل الدولة السورية، وقد اعتمد البعض تاريخ دخول الملك فيصل الى دمشق في 4 تشرين الأول عام 1918 بداية لذلك، والذي ترأس المملكة كأمير بين عامي 1918 – 1920 ثم كملك بعد إعلان الاستقلال في 8 آذار 1920، تولى إعلان الاستقلال هيئة تأسيسية – تشريعية انتخبها ناخبو الدرجة الأولى حسب النظام العثماني عام 1919 وعرفت باسم «المؤتمر السوري العام»، والذي شكل أول سلطة تشريعية سورية معاصرة. نصّ الدستور الذي عرف باسم «القانون الأساسي» بكون البلاد ملكية دستورية مدنية، تتمتع بلامركزية واسعة، وتكفل الحريات السياسية والاقتصادية، بما في ذلك حرية بناء الأحزاب والجمعيات، وحماية حقوق الطوائف الدينية والقومية، والتساوي بين المواطنين.
لم يعترف الحلفاء بهذا الكيان الجديد، بالرغم من اتفاق فيصل كليمنصو* الذي تضمن قبول مبدأ الانتداب الفرنسي، إلا أن التطورات اللاحقة ونظرة فرنسا إلى فيصل بوصفه «حليف بريطانيا» دفعت إلى نفيه وحل المملكة يوم 28 تموز 1920م، بعد ثلاثة أيام من معركة ميسلون واحتلال العاصمة دمشق من قبل الفرنسيين. وقد رفض المؤتمر السوري العام هذا الاتفاق رغم أنه كان بشروط أفضل من تلك التي طبقت لاحقًا عقب الاحتلال العسكري، وهذا ما دفع السوريين نحو خيار المقاومة وحمل السلاح في محاولة لإنهاء الانتداب الفرنسي، وقدموا في سبيل ذلك قوافل من الشهداء، لم تهدأ بعدها الأرض السورية حتى بعد انتهاء مرحلة الانتداب الفرنسي عام 1946، وحصول سوريا على الاستقلال، ولآن المجتمع السوري يتميز بتنوعها القومي والاثني، فإن البحث في مسألة قوام الدولة وشكل الدولة وكيف سنصل بهذا التنوع إلى الانسجام والتجانس بات هماً وطنياً، لهذا تقتضي الضرورة ان نسعى جميعاً أفراداً وجماعات للبحث عن صيغة قانونية مناسبة للوصول الى سورية لامركزية ديموقراطية لكل السوريين، لهذا أتقدم بهذه المساهمة المتواضعة علها تكون بداية لنقاش وطني حقيقي ويكون مدخلاُ يسير بنا نحو طاولة الحوار الوطني المتكافئ.
______________________________________________________________________
* (هو اتفاق مكتوب بين الأمير فيصل بن الحسين، الذي كان يوقع ويتكلم باسم «أمير سوريا»، وبين جورج كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسي. نصّ الاتفاق على قبول المملكة السورية الانتداب الفرنسي، وعلى اعتراف فيصل بأنّ «السوريين لا يستطيعون في الوقت الحاضر نظرًا لاختلال النظام الاجتماعي الناجم عن الاضطهاد التركي، والخسائر المحدثة أثناء الحرب، أن يحققوا حريتهم، وينظموا إدارة الأمة دون مشاورة ومعاونة أمة مشاركة، على أن تسجل تلك المشاركة في عصبة الأمم باسم الشعب السوري).
ما هو المطلوب وطنيا:
أولا: المطلوب من المعارضة السورية:
يقع على عاتق هذا المكون المسؤولية الكبرى ليس لأنه المكون الأساسي فحسب، بل لأنه كان بمثابة الحاضن الأساسي للمشروع القومي العربي الذي بنى عليه النظام البعثي مشروعه السياسي، هذا المشروع الذي دمر النسيج المجتمعي الذي كان قائما قبل ذلك، واعتبر ان باقي المكونات غير العربية انما هي بمثابة حالات لاجئة ودخيلة، مما أفسح المجال لتمرير جملة من المشاريع الاستثنائية دون أي رادع قانوني أو اخلاقي، مثل الاحصاء الاستثنائي عام 1962، الذي منع بموجبه اكثر من150000 مواطن كردي من الحصول على الجنسية آنذاك، وحرمانهم من حق التعلم والسفر والتملك، كذلك الامر بالنسبة لمشروع الحزام العربي عام 1974، والذي تم بموجبه إفراغ مساحات حدودية واسعة من سكانها الكرد المتاخمة للدولة التركية، وجلب الاخرين الى مناطق سكناهم، إضافة الى حرمان المناطق ذات الغالية الكردية من المعاهد الدراسية والتجمعات الصناعية في خطة كانت ترمي الى الإفراغ الاختياري للسكان من مناطقهم ولجوئهم الى المدن المتروبولية لغرض العمل والتعلم، وبالتالي فصلهم عن واقعهم عبر فرض التعريب كخيار وحيد، كل هذه الامور لم تلقى المعارضة من لدن هذا المكون الاساسي مما خلق حالة من عدم الثقة لدى ابناء الشعب الكردي باعتباره المتضرر الاكبر، لذلك عليها المبادرة لإعادة اللحمة الى النسيج الاجتماعي و العمل على بناء جسور الثقة، واعادة التوازن على مستوى الخطاب ومن ثم ترجمتها الى مشروع يؤدي إلى ترسيخ مفهوم الشراكة الوطنية الحقيقية على اسس دستورية ،بحيث تتضمن النقاط التالية :
1- الإقرار بالوجود التاريخي لهذه المكونات على أرض سوريا مدعومة بالوثائق وذلك قبل وبعد تشكل الدولة السورية وضرورة الإشارة الى اتفاقية سايكس بيكو وتبعاتها وملحقاتها.
2- الإقرار بالدور التاريخي للمكونات في تشكيل الدولة السورية، وذلك عبر انخراطهم في الدفاع عنها عبر كل مراحلها التاريخية خصوصا مرحلة الانتداب الفرنسي وما تلاها من مراحل.
3- الإشارة الى الدور التاريخي للرموز الوطنية لكل المكونات وتسميتهم والتعريف بهم وشرح ما قاموا به من ادوار وذلك بالاعتماد على الوثائق الموجودة والتي كانت محجوبة طيلة السنين الماضية.
4- الإشارة الى المخزون الثقافي والفلكلوري للمكونات ودورها في تكوين الفلكلور السوري والمخزون الفكري الوطني العام.
5- القيام بتعداد حقيقي للسكان تقوم بها لجان وطنية مختلطة تمهد لحالة انتخابية حقيقية يتحدد وفقها مصير وشكل الدولة المنشودة بحيث تكون معبرة عن تطلعات الجميع بشكل حقيقي وبمراقبة جهة دولية محايدة.
ثانياً: المطلوب من المكونات الأخرى
بناء على ما تقدم وبالنظر الى حالات الفرقة الموجودة على مستوى الأعراق والأديان، وأشكال النزاعات الموجودة بين المواطن والدولة، وتنامي ثقافة الاستبداد، والتي قد تتحول إلى أشكال صدامية قومية او طائفية تمهد لحرب أهلية كما يحدث الأن، لذلك عليهم أن يبادروا إلى إعادة صياغة الذات الوطنية، من جهة التعريف الحقيقي بواقع وجودهم، وتحديد إطار عام حقوقهم بحيث تكون منسجمة مع الواقع الوطني، وان لا تكون مبنية على أساس الانتقاص من حقوق الآخرين من خلال دفع الأمور نحو توحيد الإرادة بحيث يصل كل مكون عرقي او ديني الى هيكلية تمثيلية تكون بمثابة مركز قرار لها بحيث تمثل رأي الغالبية المطلقة من ذلك المكون، ويكون بمثابة مصدر تشريعي يفاوض على أساسه مصير هذا المكون في خارطة سوريا المستقبلية.
بعد وصول المكونات كل على حدة إلى شكل من التمثيل الخاص به وإجراء تعداد حقيقي للسكان بشكله العام والتعداد السكاني ضمن كل مكون تحت إشراف ومراقبة جهات دولية محايدة يتم الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني عام وشامل يتم من خلالها تقرير مصير الدولة السورية بما فيها شكل الدولة السياسي وكذلك إقرار وانتخاب لجنة وطنية لصياغة الدستور وفق جدول زمني يحدد من خلال هذا المؤتمر وتكون القرارات الصادرة بمثابة الملزمة للجميع وبضمانة دولية واضحة.
شكل الدولة السورية القادمة:
من القضايا المهمة التي سوف تساهم في تحديد شكل الدولة السورية المرتقبة هو التلون المذهبي والاثني على مستوى الجغرافية السورية عموما، لهذا يستوجب العمل على وضع دستور لامركزي يصون حقوق الجميع، الى جانب توزيع الجغرافية السورية الى عدد من الاقاليم بعد الاتفاق على عدد الأقاليم وشكلها وبنيتها بحيث يحقق توازنا منطقيا على المستويات الاساسية التالية:
- اللغة: يجب الاقرار بوجود أكثر من حالة قومية في الدستور اللامركزي المنشود، وبالتالي سوف تكون هناك لغة رئيسية مشتركة بين الجميع، ولغات محلية خاصة بكل اقليم الى جانب اللغة الرئيسية بحيث يتم التدريس بأكثر من لغة في كل إقليم.
2- يتم الاتفاق في الدستور اللامركزي على المكونات الاساسية والمكونات الثانوية على المستوى القومي من خلال معايير قانونية دولية للانتقال الى تحديد عدد الاقاليم فمثلا وجود الاقلية الارمنية في حلب كمكون ثانوي الى جانب المكونين الرئيسيين العربي والكردي.
3- تحديد علم رئيسي لكل الاقاليم يأخذ في الاعتبار هوية كل المكونات من ناحية الدلالة والرمز (العلم الوطني) الى جانب الاعلام المحلية ويتفق دستوريا على اي من العلمين سوف يكون الأعلى.
4- يقر الدستور اللامركزي بحرية كل مكون في تبني رموزها الوطنية وكذلك الامر بالنسبة للأعياد والمناسبات الوطنية الخاصة بكل مكون الى جانب الاعياد والمناسبات العامة على مستوى البلاد.
5- يتم تحديد صلاحيات المركز (الدستور اللامركزي) بشكل دقيق وواضح ويترك باقي الامور للدساتير المحلية، او تحديد صلاحيات الدساتير المحلية وترك باقي الامور وفق شكل الاتفاق المعتمد ، فالخارجية والجيش والمالية حتماً ستكون من اختصاص المجلس الأعلى في المركز، اما باقي المهام والاختصاصات ستكون من اختصاص حكومات الأقاليم.
6- يعتمد صيغة قانونية بصدد موضوع لغة المحاكم والاختام والطوابع وشكل جمع الضرائب وتنظيم عمل المعابر الحدودية وضبط الجمارك بشكل متوازن في كل اقليم على حدة كما يتم تحديد نسبة المركز من الواردات المحلية في الاقاليم بما فيها الضرائب والرسوم.
7- يعتمد صيغة قانونية ايضا فيما يخص الموارد الطبيعية والية توزيعها ونسبة المركز منها مثل مياه الانهار والموارد الزراعية والبترول …الخ
8- دعم وحماية المؤسسات الدينية، وتوفير الحرية الكافية للجميع بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية والاقرار دستوريا بالتعددية الدينية.
9- الاقاليم التي يمكن اعتمادها تكون مبنية على اساس اثني دون الارتهان الى العامل الجغرافي، وبناء عليه يتم تحديد سبعة أقاليم وهي:
أ -اقليم دمشق وتتضمن ثلاثة محافظات دمشق وريف دمشق والقنيطرة
ب-اقليم الجنوب وتضم كل من محافظة درعا والسويداء
ت -اقليم الوسط وتضم كل من محافظة حمص حماة وادلب
ث -اقليم الساحل وتضم كل من محافظة اللاذقية وطرطوس
ج -اقليم حلب وتضم محافظة حلب فقط
ح -اقليم الجزيرة وتضم محافظة الحسكة فقط
خ -الإقليم الشرقي وتضم كل من محافظة الرقة ودير الزور
بالنسبة للتمثيل البرلماني ضمن كل اقليم يكون على مستويين المستوى الأول البرلمان المحلي بحيث يكون لكل إقليم برلمان منتخب، وبرلمان أخر على مستوى عموم الوطن ويكون العدد متناسب مع التعداد العام للسكان ضمن كل اقليم يتم انتخابهم قانونيا وفق الدستور الاتحادي.
وتعرف الدولة اللامركزية:
على إنها دولة واحدة تتضمن كيانات دستورية متعددة، ولكل منها نظامها القانوني الخاص، واستقلالها الذاتي، وتخضع في مجموعها للدستور اللامركزي، باعتباره المنشأ لها والمنظم لثباتها القانوني والسياسي، وهي بذلك عبارة عن نظام دستوري وسياسي مركب.
إما الدكتور حسن الجلبي فيعرف الفدرالية (اللامركزية) بان لها معنى عام، وآخر خاص، أما المعنى الخاص فيكاد يرادف معناه الدستوري الذي يتمثل في قيام توافق بين وحدات سياسية على امتلاك كل منها أجزاء من سيادة الدولة الإقليمية والسياسية مما يعطيها ميزة الاستقلال الذاتي في الوقت الذي تشارك فيه بتكوين وإدارة مركز السيادة العامة الواحدة من هنا فالدولة اللامركزية المركبة خلافاً للدولة البسيطة تشتمل على مراكز متعددة منها ما هو خاص بكل عضو من أعضائها ومنها ما هو عام مركزي يصدر عن السلطة المشتركة بين جميع الأعضاء.