رسالة نوروز

في 21 آذار من كل عام يتجدد الأمل الكردي في الظفر بالحرية، و يتواءم هذا الأمل المتجدد مع الجديد القادم، ويتساوى في هذا اليوم الليل مع النهار، ويرحل الشتاء القاسي، ويحلّ الربيع باعتداله وجماله، ويبدأ مع ذلك اليوم الجديد، والسنة الجديدة، وتتجدد معها الآمال مرة أخرى.
ويعدّ يوم النوروز (اليوم الجديد) عيداً قومياً ومناسبة سنوية يؤكد فيها الكُرد على أصالة هويتهم، ومشروعية مطالبهم، والتمسك بحقوقهم القومية والسياسية، حيث أن دلالات هذا اليوم لا تتوقف عند رمزيتها التاريخية فقط، بل تتجاوز ذلك كثيراً كونها تختصر تاريخ تطلعات هذا الشعب في الانزياح الكامل نحو شواطئ الحرية مهما ساءت الظروف.
وقد نجح المؤسسون الأوائل في تثبيت نوروز مناسبة قومية، وجعلوا من الركائز المؤسسة للذاكرة الكُردية منهلاً للنضال والسير به نحو مراتع الحرية والإنعتاق، ما عزز من حضور الهوية القومية الكُردية المتمايزة والمستقلة عن الهويات القومية الأخرى، إذ لا توجد هوية بدون ذاكرة، ولا ذاكرة بدون تاريخ، وبهذا المعنى راكم نوروز من حضور الذاكرة بوصفها المكون الصلب للهوية الكُردية، الأمر الذي دفع بالأنظمة الغاصبة لكُردستان منذ منتصف القرن العشرين، إلى السعي لتبديد رمزية هذا اليوم، والاستمرار في سياسة الإنكار لوجود هذا الشعب. ففي تركيا اعتبروا يوم النوروز عيداً تركيا موغلاً في القدم، وفي العراق جعلوا هذا اليوم (21 آذار) عطلة رسمية بمناسبة “عيد الشجرة” قبل أن يتراجع مجلس قيادة الثورة عن قراره المثير للسخرية، وفي سوريا وبعد استشهاد محمد أمين آدي في عام 1986 في يوم عيد النوروز في دمشق، قام نظام البعث البائد بجعل هذا اليوم عيدا للأم منذ عام 1988، وذلك بنقل المناسبة من 13 شهر أيار إلى يوم 21 آذار وجعل المناسبة عطلة رسمية.
وفي سوريا ومع إنطلاقة الثورة في آذار 2011، كانت النخب السورية المعارضة تدرك التأثير الواسع لحدثٍ مثل نوروز، وكذلك الذكريات الأليمة التي رافقت انتفاضة آذار 2004 وتأثيرها على الشعب الكُردي، ودور الحدثين في تنشيط الذاكرة السورية، وبناء على ما تخلفه مثل هذه المناسبات من قدرة على تحشيد الشارع الكُردي وتعبئته، إذ كان الكُرد والحراك السياسي الكُردي قبل سبع سنوات من اندلاع الاحتجاجات في درعا وحيدين في مواجهة النظام وأجهزته القمعية. ومن هذا المنطلق بدأ السوريون في الدفع باتجاه مشاركة كُردية أوسع في حركة الاحتجاجات. ولئن كانت المشاركة الكُردية قد تنامت بالفعل وبلغت ذروتها في مختلف المناطق الكُردية، فإنّها سرعان ما خفتت مع تحوّل المظاهرات السلمية نحو العسكرة، ولم يتراجع الكُرد في سوريا عن “آذار سوريا”، فيما أبقوا بالتزامن مع ذلك على آذارهم القومي الخالص، مع التركيز على إجراء مراجعة سياسية واسعة لتبعات الأزمة السورية، مع الأخذ بعين الإعتبار ما خلّفته السنوات الماضية من واقع أليم في الشريط الكُردي الشمالي من سوريا، سيما في عفرين واعزاز والباب وجرابلس وگریسپي (تل أبيض) و وسريكاني (رأس العين)، وما رافق ذلك من اتهامات، وتحريض ممنهج على الكراهية.
يا جماهير شعبنا العظيم!
نؤكد بأن شعلة نوروز ستبقى متّقدة على قمم جبالنا كما كانت دائماً، بالرغم من المظالم التي ترهق كاهلنا، وها قد سقط البعث الشوفيني في سوريا أيضاً، هذه المنظومة التي لم تبخل في توزيع مظالمها على السوريين جميعاً، لكنّ حصة شعبنا الكُردي كانت الأكبر من تلك المظالم، حيث انتهجت سياسة شوفينية ممنهجة لطمس الهوية القومية لشعبنا، من خلال سلسلة من المشاريع الشوفينية بدءاً بالإحصاء الإستنائي عام 1962 والذي جرى بموجبه تجريد أكثر من 200 ألف كردي من جنسيتهم السورية، وكان من بين الذين تم تجريدهم توفيق نظام الدين الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش السوري سابقا. ومشروع الحزام العربي عام 1974 والذي بموجبه تم إفراغ مناطق واسعة وعشرات القرى من سكانها الاصليين الكُرد، وتوطين العرب “المغمورين” محلّهم في تلك المساحات، وصولاً إلى حزمة من الإجراءات والقوانين الشوفينية التي كان هدفها إعادة هندسة ديمغرافية كُردستان سوريا بما يتوافق مع توجهاتها العنصرية.
ونحن نقترب من حلول يوم نوروز (اليوم الجديد) نتمنى على الإخوة في جميع الأطراف الكُردية السورية أن تفكر بشكل جديد، وتعمل بطريقة وأسلوب عمل جديد، وتضع مصلحة شعبنا فوق كل الخلافات، للعمل معا لعقد مؤتمر قومي كُردي سوري جامع تحضره جميع الأطراف، تنبثق عنه مرجعية كُردية سورية جامعة، مالكة لقرارها، تقوم بصياغة رؤية سياسية للدولة السورية وشكلها وطبيعة نظام حكمها، ووجود وحقوق كافة المكونات، وفي مقدمتها حقوق شعبنا الكُردي، في إطار وحدة سوريا وسيادتها. وكذلك تشكيل وفد يمثل الكُرد للتفاوض مع باقي مكونات الشعب السوري، بما في ذلك السلطة الجديدة في دمشق.
وجدير ذكره أن الإرث النضالي لنوروز قد حظي بتقدير عالمي؛ ففي عام 2009 أدرجت منظمة يونسكو نوروز ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، معترفة بأهميته الثقافية العميقة ودوره في تعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي عام 2010، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 آذار/مارس بوصفه يوم نوروز الدولي، مشجعة على احتفالات عالمية تسلط الضوء على قيم السلام والوحدة والتجديد.
- عاش نوروز عيداً قومياً يجسد معاني الحرية والسلام.
- المجد والخلود لشهداء نوروز.
20 أذار 2025
المجلس المركزي لحركة آزادي الكردستاني في سوريا