الشرق الأوسط: ماذا بعد التصعيد الأخير؟

بقلم: عبدالله إمام
شهدت الأيام الأخيرة من شهر أيلول الفائت تطورات متسارعة في منطقة الشرق الأوسط على خلفية الصراع المستمر منذ عقود من الزمن بين قوى مختلفة محلية وإقليمية ودولية. وإثر ذلك وجّه وزير الدفاع الأميركي الجيش بتعزيز وجوده في الشرق الأوسط بقدرات دعم جوي «دفاعية» ووضع القوات الأخرى في حالة تأهب عالية. أما مجموعة الدول الصناعية السبع فأدانت هجوم إيران على إسرائيل معتبِرةً إياه «تهديداً خطيراً للاستقرار الإقليمي»، ومجدِّدةً التزامها بأمن إسرائيل، وبضرورة توقف أعمال إيران المزعزعة للاستقرار «في مختلف أنحاء الشرق الأوسط من خلال وكلائها الإرهابيين والمجموعات المسلحة، أي الحوثيين وحزب الله وحركة حماس، والميليشيات الشيعية المتواجدة في العراق والموالية لإيران»، داعيةً كافة الجهات الإقليمية المعنية إلى التصرف بمسؤولية وضبط النفس، ومشجِّعة كافة الأطراف على المشاركة بشكل بنّاء لتهدئة التوترات الحالية واحترام القانون الإنساني الدولي، ومشيرةً إلى الدور الذي تلعبه قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) لاستعادة السلام والأمن، وإتاحة فسحة للحل الدبلوماسي على طول الخط الأزرق وبما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، مع أن إسرائيل لم تعد تكتفي بتطبيق القرار المذكور بل تسعى لتطبيق القرار 1559 بتفكيك سلاح «حزب الله» ووضعه بيد الدولة اللبنانية.
ويعتبر هذا الصراع من أكثر النزاعات تعقيداً وطولاً في التاريخ الحديث، بما يحمل من جوانب سياسية ودينية وقومية واقتصادية، وما يقف خلفه من عوامل تاريخية، وما يمليه من دور جيوسياسي واقتصادي، وما يخلّفه من نزاعات داخلية وإقليمية، وبالتالي مآسي وكوارث على الصعيد الإنساني. وبالرغم من محاولات السلام القديمة والحديثة، من اتفاقيات كامب ديفيد (1978) وأوسلو (1993) واتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية مؤخراً، والتي سعت إلى إحداث تغيير في ديناميكيات الصراع بالتركيز على التعاون الاقتصادي والتهديدات المشتركة، فإن عوامل التفجير كانت أكثر قرباً، حيث وجدت إيران نفسها في موقف مهدَّد ومنعزل إقليمياً بالرغم من انتشارها الأخطبوطي في العديد من دول المنطقة، فما كان منها سوى تحريك أذرعها بدءاً من حركة «حماس» التي شكّل هجومها الإرهابي على إسرائيل قبل سنة من الآن بدايةً لمرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي.
وبدخول الأذرع الإيرانية الأخرى على خط الصراع المباشر اتسعت رقعة التصعيد لتشمل مناطق شاسعة من مضيق باب المندب جنوباً وحتى ساحات لبنان وسوريا والعراق. إلا أن الأبرز كان الحملة العسكرية التي طالت «حزب الله» بدءاً من رأسه وليس انتهاءً بقياداته السياسية والعسكرية والأمنية، وذلك في وقت يمر فيه لبنان بأضعف حالاته من انهيار اقتصادي وفقدان للسيطرة الأمنية على المفاصل السيادية ومصادرة للقرار العسكري وحالة الهشاشة الحكومية في ظل حكومة مقيدة الصلاحيات بالإضافة إلى الفراغ الدستوري في قمة الهرم حيث لا رئيس للجمهورية منذ سنتين.
وإذ تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن من التحكّم بوجهة الصراع الجيوسياسي بين إسرائيل وإيران، والحيلولة دون وصوله الى حرب إقليمية شاملة، وخاصة في الأشهر الأخيرة من عهد الرئيس بايدن وما تحمله من مخاوف للإدارة الأمريكية الحالية في انعكاسها على الانتخابات الرئاسية القادمة التي يأمل الحزب الديمقراطي في كسبها مجدداً، إلاّ أن الحسابات الإسرائيلية تبدو مختلفة حيث تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى استغلال هذه الأشهر المتبقية من الدورة الرئاسية الأمريكية لفرض أمر واقع إقليمي على الإدارة الأمريكية القادمة من خلال تحجيم الدور الإقليمي لإيران وتقويض مشروعها النووي وتحييد الدول المجاورة وتقزيم تأثيرها السياسي وإمكانياتها العسكرية والأمنية، ومن ثم إفراغ تلك المخرجات في قرارات دولية من خلال مجلس الأمن الدولي أو في اتفاقيات إقليمية ثنائية أو جماعية، وبناء معادلات جديدة تنسجم مع رؤى دولية وإقليمية لمستقبل المنطقة.
وعلى هذا يمكن القول بأننا أمام تحولات سياسية هائلة من شأنها إعادة صياغة واقع الشرق الأوسط من خلال التمهيد لتطبيع عربي إسرائيلي، يضمن أمن ومصالح الجميع، إلاّ أن هذا الصراع، كونه نتاج تفاعل معقد بين العوامل التاريخية، الجيوسياسية، الدينية، والاقتصادية، من الصعب تصور حلّ سريع وشامل له، ولكن يبقى البحث عن حلول سلمية مستدامة عبر الحوار والتعاون الإقليمي والدولي، السبيل الأنسب لتجنب المزيد من التصعيد في المنطقة وتفادي المزيد من الضحايا والمآسي الإنسانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
عبدالله إمام