آراء و ومقالات

هل ينجح الشرع في استنساخ التجربة التركية ويعلن دولة اللون الواحد؟

علي مسلم


كل المقاربات والوقائع الأولية تشير وبكل وضوح إلى أن ما يجري في سوريا من ترتيبات سياسية منذ الإطاحة بحكم البعث في الثامن من ديسمبر 2024 وحتى اليوم يواكب بل يوازي تماماً ما حصل في تركيا مع بداية سطوع نجم حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان الابن الروحي لزعيم التيار الإسلامي في تركيا نجم الدين أربكان، هذا الحزب الذي تأسس على أنقاض حزب الرفاه عام 2001 بعد حله من قبل السلطات التركية عام 1997 بسبب محاولته أسلمة الدولة.
وقد اعتبر البعض من المتابعين للشأن التركي أن تأسيس حزب العدالة والتنمية كان بمثابة عودة التيار الاسلامي لكن بصورة مغايرة وأكثر فاعلية، وقد نجح الحزب في إيهام السلطات التركية التي كانت تناصر العلمانية الذي نادى بها أتاتورك على أنه حزب يحترم الحريات الدينية والفكرية، وأنه حزب ديمقراطي محافظ، وفوق ذلك فقد خرج أردوغان الى العلن عام 2006 ليقول بملء الفم أننا تغيرنا لا بل تطورنا، وسوف لن نسمح بتكرار ما حدث من أخطاء في الماضي؟ لكنه في واقع الأمر كان يعمل وفق خطة لأسلمة الدولة والمجتمع، وإعادة المجتمع التركي إلى مرحلة ما قبل الدولة القومية، وتبني لقب العثمانيون الجدد، وهو ما أقره الحزب من خلال أحد قادته أحمد داود أوغلو حيث قال في 23 نوفمبر 2009 في لقاء مع نواب الحزب:«إن لدينا ميراثا آل إلينا من الدولة العثمانية. إنهم يقولون هم العثمانيون الجدد. نعم نحن العثمانيون الجدد. ونجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا”.
وبغض النظر عن مواقف النخب السورية المتباينة من سلطة احمد الشرع ومستقبل حكمه، فإن المسار السياسي في سوريا الذي يقودها هيئة تحرير الشام لا يمكن فصله عن المسار السياسي الذي قاده حزب العدالة والتنمية في تركيا مع بداية الألفية الثالثة بالرغم من تباعد المسافة بين المرحلتين، وذلك بالقياس لما جرى من تطورات دراماتيكية في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية، بما في ذلك مسرحية مؤتمر الحوار الوطني، ولاحقاً إعلان المبادئ الدستورية التي مهدت الأجواء لتشكيل الحكومة المؤدلجة بلبوس ديمقراطي، وتقديم تشكيلة وزراء الديكور بمسمى حكومة التكنوقراط، مع الإبقاء على الحقائب السيادية لأبناء الدار المؤدلجين.
على نفس النسق وفي عام 2010 حرص أردوغان أن يكون من بين نوابه البرلمانيون ” الكردي والعلوي و الأتاتوركي واليساري والإسلامي “، وقد تم استخدامهم كديكور سياسي لحزبه بغية إيهام الرأي العام المحلي، والظهور بمظهر الديمقراطي أمام المجتمع الدولي، لكنه سرعان ما أنقلب على الوضع بعد تجاوزه مرحلة التمكين وبدأ بإقصاء الحلفاء في بادئ الأمر ثم الشركاء والمقربين، والوصول بدولة تركيا إلى دولة الحزب الواحد والرئيس الواحد.
وقد استطاع أحمد الشرع أن يحرق مراحل سياسية عديدة دفعة واحدة ليصل الى نظام الحكم الرئاسي المطلق بجرة قلم، ويلغي ما سيؤول إلى المجلس التشريعي من صلاحيات ، ويربط مصير البلاد والعباد بشخصه، ومن ثم المثول لنزواته والذهاب بالبلاد نحو شواطئ العظمة، ويلغي بذلك كل ما يمت الى قضايا السيادة والحرية والحقوق ليغدو إمبراطوراً يلغي ما يريد ويبقي على ما يريد، في الوقت الذي أحتاج فيه أردوغان ألى أكثر من عقد ونصف حتى يحول نظام الحكم في تركية من النظام البرلماني الذي يحدد الوزراء إلى نظام رئاسي يتحكم هو نفسه بذلك.
لهذا ينبغي علينا أن لا نستغرب حين يظهر شخص بلحية سمجة من سوريا ويعلن على الملء أن مرحلة الخلافة الأموية قد بدأت من دمشق، وعلى الجميع أن يقدموا آيات الطاعة لمقام الخليفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
علي مسلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى