تشكيل الوفد الكردي المفاوض: تمثيل سياسي محدود لقضية تاريخية معقدة

بقلم محمد عباس
في سياق سياسي معقد ومليء بالتحديات التي تمر به سوريا عامة وقضية الشعب الكردي على وجه الخصوص، بدأت تتبلور محاولات للتفاوض بين الممثلين عن الشعب الكردي وحكومة دمشق المؤقتة، وهي خطوة قد تُعد من الناحية المبدئية تقدمًا في الاتجاه الصحيح نحو حل سياسي شامل. إلا أن قراءة معمقة في تركيبة الوفد الكردي المُعلن عنه، تبين وجود إشكاليات عميقة تتعلق بآليات التمثيل ومضمون الكفاءة. فقد تم تشكيل الوفد من مجموعة من السياسيين فقط، دون أن يتم إشراك أصحاب الاختصاص من الأكاديميين، أو المهنيين في ميادين القانون، والاقتصاد، والجغرافيا، والتاريخ، وحتى الشؤون الأمنية والعسكرية. وهو أمر يثير القلق خاصة أن هذا الوفد يمثل شعبًا عريقًا خاض نضالاً طويلاً وقدم آلاف التضحيات من أجل نيل حقوقه المشروعة.
أضف إلى ذلك أن ما يزيد من خطورة هذا التشكيل أنه لا يعكس تنوع المكونات المجتمعية والجغرافية الكردية في سوريا، إذ أن أغلب أعضائه ينحدرون من منطقة واحدة، ويحملون خلفيات حزبية معينة. الأمر الذي يُفقد هذا الوفد شرعية التمثيل الواسع ويحوّله إلى أداة سياسية محدودة، غير قادرة على التعبير عن كامل تطلعات الشعب الكردي في مختلف مناطقه. إن قضايا مصيرية مثل مستقبل الشعب الشعب الكردي وطريقة طرح قضيته ودراسة أبعاده، توزيع الثروات، اللغة، الهوية، وشكل الدولة، لا يمكن أن تُناقش بفعالية من قبل أشخاص يفتقرون إلى التأهيل اللازم في مجالاتها، ولا إلى الخبرة الكافية في أسس التفاوض السياسي والدبلوماسي.
العملية التفاوضية مع حكومة دمشق ليست مجرد مناسبة رمزية أو حدث إعلامي، بل هي عملية معقدة تحتاج إلى خبرة تقنية وفهم دقيق للأبعاد القانونية والدستورية والجغرافية للنزاع. كيف يمكن لوفد يخلو من المتخصصين في القانون الدستوري أن يناقش بنوداً تتعلق بإعادة توزيع السلطات أو مسودة دستور جديد؟ وكيف يمكن لمن لا يمتلك فهماً للاقتصاد الكلي ولا للثروات الطبيعية أن يحدد موقفًا واضحًا في قضايا حساسة مثل عائدات النفط أو التنمية المحلية؟ وحتى البعد التاريخي الذي يشكل جوهر الهوية الكردية، لم يُمثّل كما يجب في هذا الوفد، رغم كونه أحد أبرز الأسس التي يجب أن تُبنى عليها المطالب السياسية.
إنها المرة الأولى التي يُطرح فيها ملف حقوق الشعب الكردي في سوريا بهذا المستوى الرفيع، وهي لحظة تاريخية كان يجب التعامل معها بمنتهى الجدية. لذلك، فإن تشكيل الوفد كان يفترض أن يتم على أسس تشاركية، علمية، وتمثيلية، توازن بين السياسيين والأكاديميين، وتمنح الأولوية للكفاءة لا للولاء الحزبي أو الجغرافي. كما أن غياب التخصص في الجغرافيا السياسية والعسكرة، في سياق لا ينفصل فيه الأمن عن السياسة، يضعف من قدرة الوفد على تقديم تصور شامل يُراعي التعقيدات الميدانية والحدودية والديموغرافية التي تحكم الواقع السوري.
المفاوضات ليست مجرد نقاشات سطحية، بل هي عملية تفاوضية متكاملة، تعتمد على تقديم أوراق عمل مدروسة، ومذكرات قانونية مفصلة، وتحليلات اقتصادية معمقة، واستراتيجيات تفاوض مبنية على معرفة دقيقة بالتوازنات المحلية والإقليمية والدولية. غياب هذه العناصر من بنية الوفد الحالي لا يهدد فقط بفشل التفاوض، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية، تتمثل في تثبيت واقع مشوه، أو إنتاج اتفاقات شكلية لا تلبي الحد الأدنى من مطالب الشعب الكردي.
ومن هنا، تبرز الضرورة الملحة لإعادة النظر في تشكيل الوفد الكردي، وذلك من خلال إشراك شخصيات أكاديمية وخبراء مختصين في القانون، الاقتصاد، التاريخ، الجغرافيا، والعسكرة، إلى جانب السياسيين، لضمان وجود خطاب تفاوضي متماسك وقادر على الدفاع عن حقوق الشعب الكردي بمنطق علمي وقانوني. فالقضية الكردية في سوريا لا تحتاج فقط إلى الصوت السياسي، بل إلى العقل الأكاديمي الذي يعرف كيف يُحوّل التاريخ والتضحيات إلى أدوات تفاوض قانونية وسياسية فاعلة.
ما هو مطروح على الطاولة ليس مطالب فئوية أو آنية، بل حقوق تاريخية لشعب له ثقافته، لغته، وذاكرته الجماعية، ويسعى إلى ضمان مستقبله في إطار دولة ديمقراطية عادلة. من أجل ذلك، فإن أي تمثيل تفاوضي لا يُبنى على الكفاءة والمعرفة والتخصص، هو تمثيل منقوص، وربما خطير على مستقبل القضية ذاتها

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
محمد عباس