ما الذي ينتظر سوريا إذا انسحبت القوات الأميركية؟


عناصر من القوات الأمريكية في ريف القامشلي | أ.ف.ب
كارولاين روز وكولن بي. كلارك
فورين أفيرز – 18 سبتمبر 2025
بعد تسعة أشهر من إسقاط الديكتاتور السوري بشار الأسد على يد هجوم للمعارضة المسلحة، تواجه سوريا قائمة طويلة من التحديات الجديدة. فالبلاد، التي يقودها الآن تنظيم هيئة تحرير الشام، تواجه صدامات طائفية متكررة، وضربات إسرائيلية متتالية داخل أراضيها، وخلافات داخلية في صفوف الحكومة الجديدة. يضاف إلى هذا الاضطراب عودة أحد أكثر التحديات المستمرة في سوريا: تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم داعش.
منذ سقوط نظام الأسد عام 2024، شنّ داعش حملة إرهابية في أنحاء سوريا استهدفت الحكومة الجديدة، إضافة إلى الأقليات المسيحية والشيعية والكردية. وفي ذروة قوته عام 2014، سيطر التنظيم على نحو ثلث مساحة البلاد. ورغم أنه لم يعد يسيطر على أي أراضٍ في سوريا وتضاءلت أعداده من نحو 100 ألف مقاتل إلى 2,500 اليوم، إلا أنه يستغل فوضى ما بعد الأسد لإعادة بناء صفوفه، ما يطرح عقبات جديدة أمام استقرارٍ طال انتظاره.
باتت قدرات التنظيم على شنّ هجمات أكثر تكراراً ودقةً وتعقيداً من أي وقت مضى، مستهدفاً مواقع بعيدة عن مناطقه التقليدية. ففي شهر حزيران/يونيو، نفّذ انتحاري مرتبط بداعش هجوماً على كنيسة يونانية أرثوذكسية في دمشق، ما أسفر عن مقتل 25 شخصاً وإصابة 63 آخرين. وبعد شهرين، شنّ التنظيم أكثر من عشرين هجوماً في شمال شرق سوريا، مستخدماً مزيجاً من تكتيكات حرب العصابات، منها إطلاق نار بالأسلحة الخفيفة، وكمائن، واغتيالات، وعبوات ناسفة استهدفت نقاط تفتيش عسكرية وآليات حكومية. في العام الماضي وحده، تبنّى داعش 294 هجوماً في سوريا، مقارنة بـ 121 هجوماً في عام 2023؛ بينما تشير تقديرات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية إلى أن الأرقام أعلى من ذلك.
تمثل هذه الهجمات تحدياً صارخاً لمحاولات الإدارة الجديدة تحقيق الاستقرار. فالمشهد الأمني الهشّ أصلاً في سوريا يتّسم باشتباكات متكررة بين مجتمعات سنية وعلوية ودرزية. ومع تصاعد وتيرة الإرهاب، تخاطر الحكومة الجديدة بفقدان شرعيتها السياسية إذا فشلت في حماية الأقليات. وفي الوقت نفسه، يواجه الشعب السوري احتمالاً حقيقياً بعودة الإرهاب وعلى نطاق واسع.
سيصبح الوضع أكثر خطورة إذا مضت إدارة ترامب في خطتها، المعلنة في نيسان/أبريل، للبدء بسحب نحو 2,000 جندي أميركي متمركزين في البلاد. فمنذ 2014، لعبت الولايات المتحدة دور العمود الفقري لـ «التحالف الدولي لهزيمة داعش»، وهو ائتلاف دولي لمكافحة الإرهاب عمل مع قوات محلية لهزيمة التنظيم. ومع غياب المشاركة الأميركية الفعالة، سيجد الأعضاء الباقون في التحالف وعددهم 88 صعوبة في احتواء داعش أو دعم شركاء محليين مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي مجموعة مسلحة يغلب عليها الطابع الكردي كانت قد توصلت مؤخراً إلى اتفاق للاندماج مع دمشق.
ومع تراجع الوجود الأميركي وتصاعد التوترات الطائفية، قد تواجه القوات السورية صعوبة متزايدة في الحفاظ على سلطتها. فالقوة المشتركة للجيش السوري وقسد تبدو غير كافية لمنع عودة داعش. ولردع التنظيم، يجب على الولايات المتحدة الاحتفاظ بوجود عسكري في سوريا بعد عام 2026. وسيكون من الضروري نشر بضع مئات من الجنود الأميركيين لدعم القوات الأمنية الجديدة عبر الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وبناء القدرات. أما إذا امتنعت واشنطن عن دعم دمشق في مجال مكافحة الإرهاب، فقد تفشل الحكومة السورية في توحيد البلاد ومنع عودة داعش. وإذا تمكن الأخير من استعادة زخمه في سوريا، فسيبدأ حتماً بتنفيذ هجمات في عموم المنطقة وخارجها. لذلك، من واجب واشنطن منع التنظيم من إعادة بناء نفسه وزعزعة استقرار المشرق بأكمله.
يرى داعش فرصة في سوريا المنقسمة. قادته يسعون لاستغلال الانقسامات الطائفية والأيديولوجية لتجنيد مقاتلين جدد وإعادة بناء «الخلافة». ومن خلال هجماته، يريد التنظيم إثبات عجز الحكومة الجديدة أو عدم رغبتها في حماية السكان، خصوصاً الأقليات. وخلص تقرير حديث لفريق المراقبة التابع للأمم المتحدة إلى أن داعش «سيواصل تشكيل تهديد خارجي… إذا سمحت الانقسامات في البلاد بوجود بيئة مؤاتية يخطط وينفذ منها هجمات».
ترافق هذا التصعيد مع زيادة في دعاية داعش ضد الشرع وهيئة تحرير الشام. ففي نشرته الأسبوعية الإلكترونية التي تُلهم الجهاديين في أنحاء العالم، يهاجم التنظيمُ الشرع وحكومته ويدعو جنود الجيش السوري إلى الانشقاق. يصف دعاة التنظيم الشرع بـ «الجولاني»، في إشارة إلى نظرية مؤامرة تزعم أن الرئيس السوري، المعروف سابقاً بأبي محمد الجولاني، عميل للموساد الإسرائيلي جرى تنصيبه لإحداث تغيير في النظام لصالح إسرائيل. كما وسم داعش هيئة تحرير الشام بالكفار واتهمها بأنها دمية بيد الولايات المتحدة وإسرائيل. ومنذ صعود الهيئة والشرع إلى السلطة، كثّفت إسرائيل ضرباتها وتوغلاتها في سوريا، ناشرة الفوضى التي يسعى داعش إلى استغلالها.
الأخطر أن ثقة داعش المتنامية تتزامن مع انسحاب تدريجي للقوات الأميركية من سوريا والعراق، ما يثير تساؤلات حول مستقبل التحالف الدولي. ففي أيلول/سبتمبر 2024، أعلنت الولايات المتحدة والعراق بشكل مشترك أن التحالف سينهي مهمته العسكرية في العراق بحلول نهاية أيلول/سبتمبر 2025 وفي سوريا بحلول أيلول/سبتمبر 2026. وفي نيسان/أبريل، أعلنت «القيادة المركزية الأميركية» تقليص وجودها في سوريا من 2,000 إلى 1,400 جندي بنهاية هذا العام. وقد سلّمت واشنطن بالفعل السيطرة على ثلاث من قواعدها الثماني في البلاد لقوات سوريا الديمقراطية، مع خطط للاكتفاء بقاعدة واحدة فقط. ورغم أن قادة البنتاغون حثّوا الإدارة على الإبقاء على ما لا يقل عن 500 جندي في سوريا، فقد أشارت الإدارة إلى احتمال إجراء تخفيضات إضافية. وفي العراق المجاور، تجري عملية موازية. إذ ومع تحديد موعد الانسحاب لنهاية 2026، تعيد القوات الأميركية تمركزها من بغداد إلى أربيل في إقليم كردستان العراق، وتخطط لتقليص وجودها بشكل كبير إلى عدد صغير، لم يُحدّد بعد، من المستشارين العسكريين.
التمسك بالمسار
عندما التقى ترامب بالشرع في أيار/مايو، كان ذلك أول لقاء بين رئيس أميركي ورئيس سوري منذ ربع قرن. يعود معظم الدافع وراء إعادة انخراط إدارة ترامب مع سوريا إلى رغبة في إكمال الانسحاب الكامل من العراق وسوريا، وهو هدف لا يمكن تحقيقه إلا إذا أثبتت الحكومة السورية الجديدة قدرتها على مواجهة داعش. ومن أجل ذلك، أعطت واشنطن الأولوية لمكافحة الإرهاب، فساهمت بشكل مباشر في عمليات ضد التنظيم وقدمت لدمشق معلومات استخبارية أحبطت ما لا يقل عن ثمانية هجمات لداعش. كما ضغطت إدارة ترامب على الحكومة السورية الجديدة لتسريع جهود إعادة الإعمار وتوحيد البلاد، مثل دمج قوات سوريا الديمقراطية مع الحكومة.
سيعتمد تطور الأوضاع في سوريا، جزئياً على الأقل، على مدى التزام واشنطن بمواصلة قتال داعش. فبعد خمسة عشر عاماً من العنف المفرط الذي مارسته أطراف متعددة، سواء كانت دولاً أو غير دول، تواجه سوريا طريقاً طويلاً نحو الاستقرار حتى في أفضل الظروف. إن أي انسحاب أميركي سيخلق فراغاً يسمح لداعش وغيره من التنظيمات الإرهابية بتكثيف هجماتهم، مما يزعزع استقرار البلاد أكثر، ويؤجّج الانقسامات بين فصائلها المتنافسة، ويفتح الباب أمام المتشددين الشيعة المدعومين من إيران، بما في ذلك حزب الله. وإذا سقطت الحكومة في دمشق، أو عجزت عن توحيد المكونات الأقلوية في البلاد، فإن سوريا ستغرق من جديد في حرب أهلية.
بدلاً من المغادرة المبكرة لسوريا وهي في حالة تفكّك، ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي أن يقوموا باستثمارات طويلة الأمد في أمن البلاد. لقد أضعفت المهمة بقيادة أميركية تنظيم داعش بشكل كبير خلال العقد الماضي، وتعاونت القوات الأميركية بفعالية مع قسد وغيرها من الفاعلين المحليين في إجراءات مكافحة الإرهاب. ورغم أن داعش قد هُزم إلى حدّ بعيد، إلا أن مرحلة ما بعد النظام خلقت فرصة لعودته. ينبغي أن تنسحب الولايات المتحدة من سوريا فقط عندما تتمكن القوات السورية من الدفاع عن البلاد ضد داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية. ذلك الوقت لم يحن بعد.
إن الانسحاب الأميركي المبكّر في لحظة هشّة كهذه قد يعزّز من نفوذ داعش، ويقوّض المهمة ذاتها التي جاءت القوات الأميركية إلى سوريا من أجلها في المقام الأول. لذلك، يجب على واشنطن ألا تنفذ خططها لتقليص وجودها. بل عليها أن تواصل مشاركة المعلومات الاستخبارية مع دمشق لإحباط هجمات داعش، وأن تكثّف تدريبها لمكافحة الإرهاب مع الجيش السوري، وقسد، وغيرهما من الشركاء المحليين. وإلى جانب ذلك، ينبغي لإدارة ترامب أن تمنع حلفاءها – مثل إسرائيل – من تنفيذ ضربات داخل الأراضي السورية من شأنها تغذية الفوضى التي يسعى داعش إلى استغلالها.
وأخيراً، بدلاً من إنهاء المشاركة الأميركية في التحالف الدولي، يجب على واشنطن توسيع المجموعة لتشمل سوريا نفسها – خطوة من شأنها تمكين التدريب المشترك وتبادل المعلومات والعمليات بشكل أفضل. ولتحقيق ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي أن يحددوا الشروط التي يجب أن تستوفيها هيئة تحرير الشام للانضمام. وبالطبع ستكون لدى الأعضاء الحاليين، في التحالف الدولي، تحفظات حول الترحيب بجهاديين سابقين مثل الشرع. لكن إذا كان لا بدّ من هزيمة داعش نهائياً، فعلى الحكومة السورية الجديدة أن تكون جزءاً من هذا الجهد وأن تكون مؤهّلة لتحقيق النجاح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
كارولاين روز وكولن بي. كلارك 



