قضايا ساخنة “ضرورات التعافي المبكر في سوريا؟”

علي مسلم
تعود قضية اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري الى الواجهة مرة أخرى، سيما في لبنان والأردن وتركيا، وسط محاولات حكومية جدية في اتجاه الدفع لعودتهم الى سورية دون النظر الى الظروف ومدى توفر شروط العودة، تأتي هذه المحاولات في ظل تعثر مسار الحل السياسي في سورية، نتيجة تضارب مصالح الجهات الإقليمية والدولية المتحكمة في الشأن السوري، واذا كانت الظروف الاجتماعية والمعيشية في الدول المضيفة تدفع بهذا الاتجاه فمن الضروري التصدي لهذه الظاهرة وطنياً لما لذلك من تبعات سياسية واجتماعية قد تطال مستقبل العائدين، لهذا كان من الضروري البحث عن مخارج كضرورة استباقية عبر رصد وتنظيم الواقع والعمل على توفير الحدود الدنيا لشروط العودة بما في ذلك تحريض الجهات المانحة لتقديم الدعم اللازم، والعمل على توفير شروط العودة الأمنة من جهة توفير أماكن جيدة لإقامتهم، خصوصاً في المناطق الخارجة عن سلطة النظام كبداية والانتقال تباعا الى مناطق النظام، ولا بدا في هذا السياق من التطرق الى اليات الدعم والاستجابة الإنسانية، فثمة مراحل أساسية تختصر سويات الاستجابة الإنسانية في زمن الأزمات والكوارث، أولها الاستجابة الإنسانية العاجلة فور وقوع الكارثة وتستمر لفترات زمنية قليلة تالية، وثانيها التعافي المبكر الذي يفسح المجال لعجلة الإنتاج في المجتمعات المحلية بالتحرك دون الوقوف على الظروف والمعطيات السياسية القائمة، واخرها مرحلة إعادة الاعمار بكل ما تحملها من معاني ودلالات، وما تنطوي على سمات استراتيجية قوامها وجود حكومة وطنية تحظى بالشرعية المطلوبة، وتفرض سيطرتها على كل اصقاع البلاد، وتكون قادرة على عقد الاتفاقات مع الجهات المانحة، الى جانب امتلاكها المقدرة على التخطيط، وإدارة الموارد المتاحة، وتبدأ هذه المرحلة عادة فور انتهاء مظاهر الحرب.
وبالنظر الى عدم ديمومة الاستجابة الإنسانية في ظل استمرار الحرب، واستحالة اللجوء الى إعادة الاعمار لنفس السبب، كان لا بدا من التوقف عند مسالة التعافي المبكر كخيار وحيد بالرغم من تقطع اوصال البلاد وتوزعها على عدد من المناطق الخاضعة لسلطات واقع مختلفة في الغايات، وتسعى كل منها الى محاولة فرض نفوذها دون الوقوف على مصير المهجرين والنازحين الذين انتشروا في اصقاع لا حصر لها، ويتعرضون على إثر ذلك الى شتى أنواع القهر والذل، مع استمرارية تهديدهم بالرحيل بين كل ساعة وساعة.
وفي ظل غياب اية بوادر في سياق الحل السياسي في سورية فمن المرجح ان تلجأ بعض الحكومات المجاورة لسوريا والتي تستحوذ على الالاف المؤلفة من اللاجئين السوريين الهاربين من مناطق النزاع بحثاً عن الغذاء والأمان الى خلق الذرائع عاجلاً او اجلاً للتخلص من أعباء اللاجئين، لهذا يتوجب على القوى السياسية المعنية بالشأن السوري للبحث عن مخارج بديلة وممكنة، وتوفير الأجواء المناسبة لتحقيق قدر ممكن من متطلبات التعافي المبكر، لهذا كان من المنطقي التوقف عند مفهوم التعافي المبكر وضروراته بغية توفير بيئة مناسبة لعودة المهجرين والنازحين الى مناطقهم المعتادة.
ماذا يقصد بالتعافي المبكر
يقصد بالتعافي المبكر تلك الأنشطة الإنسانية التي تتجاوز في مضمونها تقديم مساعدات الإغاثة للمنكوبين في الأزمات، لكنها لا ترتقي الى مستوى إعادة الإعمار في أي حال من الأحوال، وتشمل جملة من مجالات الإغاثة والمساعدات الإنمائية التي تساهم بشكل مباشر في تمكين المجتمعات المحلية على تجاوز المصاعب والوصول الى نوع من الاستقرار النسبي بعد الأزمات، ومن جانب آخر تعتبر وسيلة ناجعة تساهم في تأطير الأنشطة والاستراتيجيات والمقاربات ضمن السياقات الإنسانية الانتقالية، التي تتضمن المساعدات الطارئة لتلبية الحاجات الإنسانية المتزايدة في زمن النزاع المستمر..
كما يمكن اعتباره شكل من التوجه الذاتي نحو تنمية القدرات المحلية في زمن الازمات والحروب، والانتقال بالمجتمع من اسلوب الاعتماد على المساعدات الإنسانية الصرفة الى اسلوب الاعتماد على القدرات الذاتية، والوصول الى الحدود الدنيا من سويات التنمية المستدامة، بما في ذلك إعادة الروح الى البنى التحتية التي دمرتها الحرب، وتوفير مقدمات الصمود، والحد من تأثير الأزمات المستقبلية، وهي خطوة تسبق عملية إعادة الإعمار، بحيث تتركز الاهتمامات بادئ الأمر على القطاعات الحيوية مثل المرافق الصحية، ومصادر مياه الشرب، والكهرباء، والتعليم، والزراعة، والصناعات الخفيفة…
فمفهوم التعافي المبكر إذاً تتجدد اهميتها مع بداية كل ازمة، سواء كانت مفتعلة مثل الحروب أو ناتجة عن كوارث طبيعية كالزلازل والفياضات، ولا بدا من العمل على تمهيد الأجواء لذلك سيما وان رحى الحرب في ما زالت دائرة ولا يمكن الارتهان الى الهدوء النسبي التي تسود مجمل اصقاع الوطن..

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
علي مسلم