قراءة في المشهد السياسي في سوريا وجوارها الاقليمي

بداية كانون الأول 2023
تتصدر منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى قائمة الأزمات الدولية الساخنة، وهذا ما يعيد الى الأذهان المشهد الدولي الذي رافق أحداث الحرب العالمية الأولى، وما نتح عنها من توازنات شملت الجغرافيا والخرائط، الى جانب توزيع مناطق النفوذ والمضائق والممرات البرية بين الدول التي ربحت الحرب، ومن الواضح ان دائرة أزماتها سوف تكبر وتزداد تعقيداً بسبب أهميتها الجيوسياسية، الى جانب التداخل الكبير بين ملفاتها، وتقاطعها مع الملفات الأخرى مثل الحرب الروسية – الأوكرانية وملف إيران النووي ومشروعها التوسعي، وكذلك خطوط الطاقة ومنابعها، وذلك في ظل غياب أية مشاريع سياسية جدية تأخذ في الاعتبار أزمات وقضايا شعوب المنطقة، وتأثير ذلك على الأوضاع السياسية ضمن الدول والكيانات القائمة.
وفي هذا السياق يشير بعض المحللين الى أن نتائج الحرب في غزة قد تغير من شكل التعاطي مع العديد من الملفات الشرق أوسطية العالقة، لما لهذه الحرب من دور لجهة رفع الستار عن جوانب مهمة حول طبيعة الصراع الجاري بين القوى العظمى ، حيث تشهد المنطقة حضوراً وحشودات عسكرية أطلسية وأمريكية هي الأكبر من نوعها منذ الإطاحة بنظام صدام حسين قبل نحو عقدين من الزمن، وهذا دليل على تغيير واضح في الرؤية الأمريكية تجاه المنطقة وقضاياها وطبيعة البنى الأمنية القائمة، وضرورة الالتزام بتقديم الدعم اللازم لإسرائيل لحسم الحرب والقضاء على حماس عسكرياً وإضعافها سياسياً وجماهيرياً مع الإشارة الى أن ما يجري يحظى بدعم غربي واضح وتوافق عربي غير معلن، مما يعني أن تداعيات الحرب ستكون أوسع ونتائجها ستكون أعمق تأثيراً وتغييراً.
من جانب أخر تشير الوقائع الى بروز ملامح مرحلة سياسية جديدة ، قوامها ليس التغيير فقط ؛ بل بناء مرتكزات لتوجهات واستراتيجيات تخص مستقبل المنطقة ، بما في ذلك تصفية أركان التنظيمات الإرهابية التي تدار عمليا من جانب المحور الإيراني، فمعظم الكيانات الميليشاوية التي تعرقل مسارات الاستقرار والحلول في المنطقة كما في اليمن ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق، فهي في المحصلة كيانات تأتمر بأوامر إيران مباشرة وتنفذ أجنداتها على حساب قضايا شعوبها ، وهي في ذات الوقت تحارب بالنيابة عنها، وتعيق سير خطوط التجارة العالمية في باب المندب والبحر الأحمر ، وتستهدف القواعد الأمريكية في سوريا والعراق بالمسيرات، وقد صرفت إيران مليارات الدولارات على هذا المحور الذي سمي بمحور المقاومة – وهو تحالف بين الإسلام السياسي الشيعي – السني – وهيأته وسلحته للسيطرة على المنطقة كدفاع مسبق عن مصالحها في وجه التهديدات الأمريكية – الإسرائيلية.
على العموم وانطلاقا من مبدأ أن الحرب هي استمرارية للسياسية ولو بوسائل مختلفة فإن تكثيف الوجود العسكري الغربي والأمريكي في الشرقين الأدنى والأوسط له علاقة وثيقة بمستقبل الصراع بين أمريكا والصين حول من سيقود العالم اقتصادياً ، وبالتالي لن يكون الصراع في بحر الصين والمحيط الهندي بعيداً عن نتائج الحرب الجارية في غزة ، باعتبار أن التغييرات التي ستحدث في المنطقة ستكون لها تداعيات في مناطق أخرى، وربما تؤدي إلى ظهور ردود أفعال من جانب روسيا والصين للاستمرار في دعم السياسة الإيرانية، في إطار الصراع على مناطق النفوذ والمصالح الحيوية لهذه القوى .
على صعيد آخر، وانطلاقا من المقدمات التي رافقت ظروف الحرب في غزة وذلك من جهة تشابك وتداخل الأزمات فإن الملفات السياسية المتعلقة بالوضع السوري ستبقى في حقول الانتظار لحين التوافق على مختلف الملفات السياسية الأخرى، ولا يمكن تفضيل أو فصل هذا الملف عن باقي الملفات، وخاصة أن الأطراف المتصارعة على تلك الملفات المتداخلة هي نفسها المتقاتلة على سوريا. وبما أن الوضع الكردي لا يمكن فصله عن الوضع السوري العام كون أزمة الحراك الحزبي الكردي هي في النهاية جزء من أزمة المعارضة السورية لجهة التشتت وغياب الرؤية الواقعية وفقدان القرار السياسي المستقل ، يضاف الى ذلك غياب التفاهم المطلوب بين أطراف الحركة السياسية الكردية في سوريا، مما زاد من حجم المعاناة في الجوانب الأخرى بدءاً من الوضع الاقتصادي المزرى، واستفحال ظاهرة الهجرة، وبقاء ظاهرة خطف القصر وتجنيدهم دون معالجة، الى جانب دوام الانتهاكات من قبل الفصائل والميليشيات العسكرية التي تسيطر على الشريط الشمالي من سوريا بدءا من إدلب ومروراً بعفرين والباب وإعزاز وجرابلس وتل أبيض / گرى سبي ورأس العين / سري گانيه .
من هنا نعتقد أن أزمات المنطقة المختلفة هي نتيجة طبيعية لفشل الأنظمة الحاكمة في قيادة مجتمعاتها، وهذا ما ساهم الى حد بعيد في تغييب أسس التوافق والشراكة والتعايش الحر، الى جانب طغيان عقلية الإقصاء والاستعلاء القومي، ودعم تركيبة الأحزاب السياسية القائمة على أساس الهويات الفرعية وغياب الهوية الوطنية السورية الجامعة والمعبرة، وهذا ما أسس لظهور هذا الكم الهائل من التنظيمات الإرهابية التي بنت ايديولوجياتها على الموروث الفكري الديني والطائفي الذي مهد بدوره الى ظهور الإرهاب والتطرف الفكري الذي ساد المنطقة.
المكتب التنفيذي
حركة البناء الديمقراطي الكردستاني – سوريا