قراءة في المشهد السوري – حزيران 2025

حركة آزادي الكردستاني في سوريا
شكلت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى المملكة العربية السعودية في الثالث عشر من شهر أيار المنصرم نقطة تحول تاريخية في طبيعة وشكل الصراع الجيوسياسي القائم في منطقة الشرق الأوسط، سيما الصراع الجيوسياسي القائم على مناطق نفوذ في سوريا بين كل من تركيا واسرائيل، وتداعيات انحسار الدور الإيراني وحلفائها في كل من سوريا والمنطقة الإقليمية، وقد جاءت مسألة إعادة إدماج سوريا في النطاقين الإقليمي والدولي بقيادة دول الخليج، وخاصةً السعودية، وإعادة تطبيع العلاقات الأمريكية-السورية على جدول أعمال زيارة ترامب إلى الرياض. وربما كان الإعلان الـ “ مهم والمهم جداً ”، الذي وعد ترامب بالإفصاح عنه في السعودية، يتعلق برفع العقوبات عن سوريا، ولقائه الرئيس السوري، وهو اللقاء الذّي شارك فيه ولي العهد السعودي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان (عبر تقنية الفيديو). وفي لقائه بالشرع، وعد ترامب بتطبيع علاقات بلاده مع سوريا، شريطة تحقيق جملة أمور، على رأسها مكافحة “الإرهاب”؛ ولاسيما ما يتعلق بتنظيم داعش، وحل قضية المقاتلين الأجانب في سوريا، وترحيل عناصر المقاومة الفلسطينية، وضمان أمن المكونات السورية وإشراكهم في مؤسسات الدولة، إلى جانب انخراط سوريا الدولة في الاتفاقيات الابراهيمية.
يذكر أن ورقة المطالب الأمريكية المكتوبة هذه قد سلمتها نائبة مساعد وزير الخارجية الامريكية للوزير السوري أسعد الشيباني باليد على هامش مؤتمر بروكسل التاسع لدعم الشعب السوري الذي انعقد في آذار الماضي. وقد تردد في أوساط الدبلوماسية الدولية أن الرد السوري الايجابي، الذي وصل إلى واشنطن قبل أيام من بدء زيارة ترامب الى السعودية، سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين دمشق والبيت الأبيض، وإن كانت محفوفة بجملة من التحديات.
والواقع أنّ حضور الرئيس أردوغان لقاء ترامب-الشرع (إلى جانب السعودية) له دلالات سياسية استراتيجية مهمة، حيث أراد ترامب أن يوحي للرئيس التركي وبكل وضوح على أن تركيا لوحدها غير قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا، وأنه سيكون للمملكة العربية السعودية دور محوري مماثل في هذا السياق نظراً لتعقيدات الوضع السوري بما في ذلك قضايا إعادة الإعمار، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وهي محاولة جدية من قبل إدارة ترامب لمنع تكرار تجربة إيران في بسط هيمنتها على سوريا.
وقد تم تداول الملفات التالية خلال الزيارة ( الشراكة الاقتصادية الخليجية الأمريكية – سياسات الطاقة وتأثير دول الخليج على سوق الطاقة العالمية – المفاوضات النووية الأمريكية الايرانية – الصفقات الدفاعية والضمانات الأمنية – حرب غزة والملف السوري والاتفاقات الابراهيمية وحرب أوكرانيا وغيرها )
وقد أشارت بعض التحليلات الى أن ورقة المطالب الامريكية قد عكست بوضوح التوجه الجديد لإدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تبدو غير مهتمة بتعزيز الديمقراطية أو دعم إعادة الإعمار في سوريا، بل تركز على تحقيق مصالح الأمن القومي الأمريكي، وخاصة مكافحة الإرهاب، ومنع عودة النفوذ الإيراني والروسي.
أما بخصوص موقف إدارة ترامب من سلطات دمشق الجديدة، فتشير بعض التقارير إلى أن ثمة اتجاهان يتصارعان حول كيفية التعامل مع الحكومة السورية الانتقالية، الاتجاه الأول، بقيادة مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، ويساندها سيباستيان غوركا، مسؤول مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، يرى أن إدارة الشرع «مجرد قشرة ديمقراطية تحكمها الشريعة»، ويحذر من أي تساهل معها. أما الاتجاه الثاني، الذي تمثله وزارة الخارجية ومبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، فيؤمن بإمكانية التوصل إلى «اتفاق سلام ملحمي» يشمل دول المنطقة، ويعتقد أن قادة مثل أحمد الشرع قد «تغيروا» عما كانوا عليه في الماضي. ويتخوف دبلوماسيون أمريكيون من أن إهمال سوريا قد يتيح لإيران وروسيا إعادة بناء شبكات نفوذهم الأمنية والاقتصادية.
أما بخصوص موقف تركيا من أخر مستجدات الملف السوري وتبعات اتفاقية العاشر من آذار الماضي بين القائد العام لقوات قسد مظلوم عبدي ورئيس السلطة الانتقالية في دمشق احمد الشرع، فقد ذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعيداً جداً في تصريحه الأخير الذي دعا فيه الحكومة السورية إلى التركيز على تنفيذ بنود الاتفاقية المتعلقة بدمج قوات قسد في القوات المسلحة السورية، وحث دمشق على تنفيذ البند الخاص بذلك، فقد أشار بأسلوبه السياسي إلى أن صبر تركيا بدأ ينفذ، وأنها لن تتسامح مع وجود تلك القوات على حدودها، وأنه لن يسمح بدمج الفصائل الموالية لتركيا دون أن يتم دمج قوات سورية الديمقراطية، وذلك تعقيباً على المهلة التي حددها وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، حيث دعا ما تبقى من المجموعات العسكرية ” إلى ” الالتحاق بوزارة الدفاع بمدة أقصاها 10 أيام من تاريخ هذا الإعلان والذي أنتهى في 28 من شهر نيسان المنصرم، وأكد أن “أي تأخير في هذا الصدد يستلزم اتخاذ الإجراءات المناسبة وفق القوانين المعمول بها”.
لكن الواضح أن سلطات دمشق لم تكترث لهذا التصريح مما حدا برئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالن بالقيام بزيارة رسمية مستعجلة إلى دمشق بناء على رغبة تركية رسمية بغية معالجة الخلل الحاصل، لكن الواضح أن الزيارة تلك لم تثمر بدورها، وهذا ما دفع بالرئيس التركي بعد يومين من تاريخ الزيارة الى دعوة نظيره السوري للقيام بزيارة غير معلنة هي الثالثة له الى تركيا بعد توليه مقاليد السلطة مطلع العام الجاري، وذلك في 24/5/2025، وحسب وكالة نورت بريس فقد أفاد بيان صادر عن الرئاسة التركية بأن اللقاء تناول جملة من الملفات الثنائية والإقليمية والدولية، في مقدمتها تطورات المرحلة الانتقالية في سوريا ومسارات التعاون بين البلدين.
وحسب محللين فإن القلق بات يسود الاوساط السياسية الرسمية في تركيا وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، معتقدين أن الاتفاقية التي أبرمت في العاشر من شهر آذار الماضي قد ضمت بنوداً سرية غير معلنة، سيما بعد ورود بعض المعلومات غير المؤكدة على أن الرئيس السوري احمد الشرع سيمنح منصباً رفيعاً لقائد قوات سورية الديمقراطية مظلوم عبدي، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تراجع القيادة التركية عن المصالحة مع الكرد في تركيا وسوريا، وفي سياق مماثل كشفت وسائل إعلام دولية وعبرية عن “مباحثات وصفت بالإيجابية” جرت بين تركيا وإسرائيل، أسفرت عن إنشاء خط ساخن لمنع التوترات والصدامات في سوريا، بما في ذلك معلومات عن الأماكن التي ستضع فيها أنقرة أنظمة الدفاع الجوي والرادارات.
ونقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية عن مصادر قولها إن اسرائيل وتركيا توصلتا الى تفاهمات بشأن تنسيق أنشطتهما العسكرية في سوريا بهدف منع الاحتكاك بين قوات الجانبين ويأتي الاتفاق بعد اربعة جولات عقدها الجانبان في في العاصمة الاذربيجانية باكو خلال الشهر الماضي وأكد المصدر الإسرائيلي أن تل أبيب تمسكت بموقفها بأن جنوبي سوريا سيبقى منزوع السلاح,
في 8 حزيران 2025
الهيئة التنفيذية