ترامب والكرد وتركيا

ما الذي جرى في قمة كونكورديا
علي مسلم
اجادت تركيا استخدام ما لديها من أوراق سياسية خلال السنوات القليلة المنصرمة، وذلك في سياق صراعها المستميت مع المحيطين الإقليمي والدولي للاستحواذ على المزيد من مناطق جديدة للنفوذ والسيطرة، ولم يقتصر صراعها الجيوسياسي على جوارها القريب مثل سوريا والعراق فقط، بل امتد ذلك ليشمل مناطق واسعة من آسيا وأفريقيا وأوروبا الشرقية، وذلك عبر التوسط في حل النزاعات البينية كما حصل في التدخل لحل قضية الخلاف الدبلوماسي بين أثيوبيا والصومال نهاية عام 2024، أو عبر بناء شراكات عسكرية مع دول ما زالت تعاني من عجز في موازنتها الدفاعية ، كما جرى في ليبيا والسودان والصومال واوكرانيا مؤخراً، حيث قامت بتسليح جيش البرهان بمبلغ 120 مليون دولار عام 2024 وذلك عبر ميناء بورتسودان على ساحل البحر الاحمر سراً، وقامت بتزويد أوكرانيا بطائرات بدون طيار من طراز بايكارtB2 من عام 2018، كما أنها استطاعت ان تلعب على أوتار تنازع المصالح بين الكبار في شرق الكرة الأرضية وغربها، عبر التزام موقف الحياد المبطن كما حصل في موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، أو التدخل المحدود والمباشر كما حصل في العراق وسوريا بحجة الدفاع عن أمنها القومي، واعتمادها سياسة خارجية توسعية تهدف إلى استعادة النفوذ التركي في مناطق ما كان يعرف ب”جغرافية الدولة العثمانية”، وذلك وفق ترتيبات استراتيجية شاملة تتضمن تطوير التصنيع العسكري، وامتلاك مفاتيح القوة التكنولوجية، والمنظومات الدفاعية المتطورة وغيرها، وقد استطاعت من خلال التدخل المباشر في ليبيا إلى كسب أوراق ضغط إضافية ساعدتها في الضغط على المجتمع الدولي، وبالتالي كسب قضايا إقليمية أخرى كما حصل في سوريا والعراق، وكذلك محاولتها كسر العزلة جراء توتر علاقتها مع مصر ودول الخليج.
وقد استفادت تركيا سياسياً من مسألة وقوفها على الحياد في الحرب الدائرة بجوارها بين روسيا وأوكرانيا، وإحتفاضها بالعلاقة القوية مع روسيا، وامتناعها في نفس الوقت الإنضمام حتى الآن للعقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة على روسيا في سياق تبني سياسة حلف “الناتو” بوصفها عضواً فيها منذ شباط عام 1952، بل على العكس أنها تحاول تقديم نفسها بوصفها وسيطاً في مفاوضات وقف النار بينهما.
كما حاول أردوغان منذ عام 2003 على دفع تركيا باتجاه تبني سياسة خارجية متعددة الأبعاد، والسعي من خلال ذلك إلى إعادة تعريف مكانتها على الساحة الدولية، ومحاولة التقرب من خصوم الغرب التقليديين مثل الصين وروسيا وإيران، سيما بعد الإحباط الذي شعر به أردوغان نتيجة العقبات المتكررة التي تواجه انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
ومن المرجح أن هذه الجهود مجتمعة قد أثمرت أخيراً ولو في حدودها الدنيا، وذلك بعد توتر العلاقات بين تركيا وحلفائها الغربيين خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي تمثلت في اتهام تركيا للحكومات الغربية بدعم الاحتجاجات المناهضة لها إبان أحداث ما سمي بثورات الربيع العربي، إلى جانب الدعم الأمريكي المكثف لقوات سوريا الديمقراطية في معاركها ضد إرهاب داعش، واستمرارها في ذلك حتى الآن، والذي انعكس على أداء قائد قوات سوريا الديمقراطية وذلك وفق المنظور التركي واتهامه بـ المماطلة والتلكؤ في سياق دمج قواته مع الجيش السوري وفق محددات إتفاق 10 آذار عام 2025، حيث ان تركيا ما زالت تنظر إلى هذه القوات على أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني التي تهدد أمنها الداخلي. لهذا يعتقد أن الرئيس الأمريكي قد أستجاب للضغط التركي الذي تنامى بعيد فشل قمة ألاسكا بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المنعقد في 15 آب 2025، وسط حزمة من المخاوف الأوروبية والأمريكية المشتركة من مسألة التقارب بين تركيا ودول بريكس التي تضم إلى جانب كل من روسيا والصين كل من البرازيل والهند وجنوب أفريقيا ودول متوسطية أخرى، والتي قد تهدد مستقبل وجود تركيا في حلف الشمال الأطلسي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
علي مسلم



