آراء و ومقالات

عود على بدء – في بؤس الخطاب الكردي

يعتقد البعض من أشباه المثقفين الكرد الذين ما زالوا يقفون على رصيف الفعل السياسي الكردي البائس، أن محاولة دفع الأمور نحو تبني قضايانا الخاصة ككرد سوريين بعيداً عن المحاور بعد كل هذه الإخفاقات، والأزمات التي مررنا بها، والتي قد نعيش تداعياتها لمرحلة زمنية لاحقة، إنما هو خروج عن المألوف السياسي والأخلاقي، دون أن يدركوا أن هذا المألوف الذي كنا نظنه صواباً لم يعد كذلك، وذلك بالنظر الى شحاحة ما جنيناه على مر سنين تشتتنا الطويلة، وحجم التضحيات التي قدمها شبابنا في ميادين النضال العابرة للحدود خدمة لتلك المحاور.

كان علينا أن نقر منذ أمد بعيد أن التقسيمات السياسية التي طالت بلداننا في الشرق المتوسط، ولا سيما المناطق التي كانت تدار من قبل سلاطين الخلافة المسلمون، بدءاً من دولة الأمويين سنة 662م، ومن بعدها دولة بني العباس سنة 750م، وانتهاء بدولة بنو عثمان (1516-1918م) وغيرهم لم تأتي في سياق الصدفة، وانه من السهل الانقضاض على تبعاتها بين ليلة وضحاها، وإزالة آثارها، فالتقسيمات تلك قد حصلت من أجل أن تبقى، وينبغي على الشعوب المتضررة والمستفيدة ان تبحث عن مخارج ممكنة لقضاياها القومية والوطنية ضمن ما تم رسمه، وذلك بالقياس الى ما يتوفر من معطيات وامكانات، ولا خيار أخر غير ذلك، ولا بدا من الإشارة دون خجل، الى أن الكرد كانوا من اكثر المتضررين من هذه التقسيمات، ولهذا أسبابها، ولا بدا من البحث بشيء من الجرأة عن خفايا هذه الأسباب بعيداً عن العصبوية الفارغة، ولا أظن ان ذلك سيكون محكوماً بعوامل الرغبة أو نقيض ذلك، بل أنها محكومة بمعطيات سياسية قد تكون مرة بطعمها ونتائجها، لكنها حقيقة مدعومة بحزمة معقدة من القضايا تغافل الكرد عنها في حينها، ومن الصعب، بل من المستحيل السيطرة على تداعياتها ضمن المدى المنظور، وذلك وفق المعطيات الجيو – سياسية السائدة.

يطيب للجميع بما في ذلك الأقوام والمكونات المتضررة من هذه التقسيمات، ان تسعى بكل السبل نحو فك العزلة عن نفسها والسير قدماً نحو تحقيق تطلعاتها القومية الخاصة، لكن ليس من الضروري أن يرتقوا في مسعاهم، وذلك لأن ما تم رسمه كان قراراً صنعه الأقوياء، ولا يمكن في أي حال من الأحوال فكفكة ذلك إلا عبر قوى تساويها في النفوذ والقوة، وتعاكسها في الاتجاه والغايات، ولأن ذلك ليس في متناولنا نحن الكرد، لهذا ينبغي علينا أن نعود الى البدايات، ونغير من بوصلة اتجاهاتنا عبر استدارة هادئة وموضوعية للتلاقي مع شركائنا في الوجود والحدود، ونبدأ معاً باتجاه توفير ما يمكن من مقدمات  وطنية سورية للبناء عليها، والبدء بصياغة تعريف جديد للانتماء، والانتقال بخطى وئيدة نحو إيجاد معادلة سياسية تضمن التوازن بين الانتماء والخصوصية القوميتين، وما بين الانتماء الى سورياً وطناً للجميع، وفق محددات ديموقراطية تؤسس لدولة مواطنين أحرار ومتساوون في أن معاً، والابتعاد عن الألاعيب الدولية التي انهكت قدراتنا على مدى عقود، فكما أن لكل محور نقطة بداية، فله نقطة محددة ينتهي عنده، ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن نكون جزءاً من أي محور طالما ان هذه المحاور لم تنطلق من صميم ما كنا وما زلنا نعانيه نحن الكرد في سوريا.        

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى