قمتان في قمة، هل تنجح الرياض في إستثمار نتائج الحرب لصالحها

علي مسلم
من غير المرجح ان تتكلل جهود المملكة العربية السعودية في فرض خيار الدولة الفلسطينية على المشهد السياسي الإقليمي بالنجاح، وذلك لأسباب موضوعية عديدة، أولها الخلخلة الواضحة في تموضع موازين القوى، وتصدر المحاور الإقليمية غير العربية في التنافس على قيادة المشهد السياسي في الميادين العربية، والمتمثلة بإيران المعزولة دوليٱ من جهة، وإسرائيل المدعومة أمريكيٱ من جهة أخرى، ثانيها غياب أي دور عربي رسمي مؤثر من ڜأنه تسخير مجريات الصراع القائم لصالحه، وبالتالي المساهمة الفاعلة في رسم الملامح النهائية للشرق الأوسط المنشود كحصيلة أولية للنزاع القائم، إلى جانب غياب المشروع الفلسطيني الذاتي القادر على الإستقطاب، ولململة الذات الفلسطينية، والتمكن من فرض أجندة الدولة الفلسطينية في هذا التوقيت المريب، سيما بعد فشل السلطة الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الحفاظ على المكاسب السياسية التي تحققت في اتفاقية أوسلو، والتي تم ابرامها عام ١٩٩٣ في واشنطن، وكانت من نتائجها إنتخاب سلطة وطنية تبسط سيطرتها على كامل الضفة والقطاع، وخسارتها السلطة في غزة أمام حركة حماس في انتخابات عام ٢٠٠٦، وما نتج عنها من تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى كيانين بحكم الأمر الواقع.
فإسرائيل من جانبها ماضية في حربها غير المحدودة حتى وإن رضخت حماس ورضخ حزب الله، ولن تثنيها الدعوات الدولية الخجولة في إيقافها قبل الوصول إلى تحقيق كامل أهدافها والمتمثلة في فكفكة قدرات حركة حماس العسكرية والتنظيمية، وإخراجها كليٱ من المشهد السياسي الفلسطيني، والإنتقال إلى ساحات أخرى ربما تتجاوز لبنان لتشمل بلدان وساحات عربية وإقليمية أخرى.
أما إيران التي نأت بنفسها عن مجريات الحرب في غزة منذ البداية، لم تعد قادرة على التحكم ولو نظريٱ في التأثير بمجريات هذه الحرب الكارثية، لكنها في الوقت ذاته ماضية في إستكمال ما تبقى من مشروعها الإستراتيجي المبني على إستغلال الطاقات الميليشاوية المحلية في الساحات العربية من أجل الإبقاء على سلامة المحور وإستمراريته، دون الإكتراث لما ستؤول إليها سياقات الأحداث في جوانبها المتعددة، وما ستتركها من أثار قد تضع مستقبل القضية الفلسطينية برمتها في مهب الريح.
لهذا لا يمكن التكهن بمستقبل ما يسعى إليه أمير المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان، والذي استطاع أن يجمع كل الدول العربية والإسلامية على طاولة حوار واحدة في قمة عربية إسلامية غير عادية في الرياض في ١١ نوفمبر من هذا العام، بالرغم من وجود العديد من الخلافات والتناقضات فيما بينهم، هذه القمة التي جاءت في سياقها العام كقمة متممة للقمة المماثلة التي انعقدت أيضٱ في الرياض في نفس التاريخ قبل عام، والتي تناولت مسألة البحث عن مخارج للحرب الدائرة في غزة، ومن خلال تتبع مخرجات القمة غير العادية والتي أنطوت على ٣٦ فقرة، فقد جاءت خجولة بالمقارنة مع حجم الدمار الناتج عن استمرار الحرب الكارثية، والتي تمحورت حول البحث في سبل عزل إسرائيل دوليٱ، والمطالبة في إقامة دولة فلسطين على خطوط الرابع من حزيران ١٩٦٧ عاصمتها القدس الشرقية، دون التطرق إلى حركة حماس أو حزب الله ولو بإشارة واحدة، ناهيك عن عدم الإشارة إلى دور إيران الرئيسي في تأجيج سعير هذه الحرب، بل على العكس أشار الأمير السعودي في خطابه إلى عدم السماح بإنتهاك سيادة الجمهورية الإيرانية الإسلامية في إشارة إلى ما تسعى إليها إسرائيل.
على العموم يمكن القول أن هذه القمة غير العادية التي جمعت قمتان في قمة، والتي أشارت إلى سعيها في إقامة دولة فلسطين كانت نتائجها غير عادية أيضٱ، وربما سعت إلى خلط الأوراق السياسية في عموم الشرق الأوسط من جديد، وسط تضارب العديد من المشاريع السياسية، في ظل غياب أي بادرة حل ضمن المدى المنظور، فهي إذا محاولة سعودية في إستثمار نتائج الحرب لصالحها، لكنها محاولة محفوفة بالشك، لأن قانون الحروب تشير إلى أن من يكسب الحرب يحق له وحده أن يستثمر نتائجها، أما خسائر الحرب فيتم توزيع فواتيرها على الأقارب والجوار.
بهذا يمكن القول أن مدى هذه الحرب وتبعاتها ونتائجها ستبقى مجهولة لفترة زمنية لاحقة، وهذا قد يضع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بنسخته الجديدة أمام مسؤولية إضافية بعد أربع سنوات من غيابه عن المشهد السياسي، والذي ينتظره العالم بشرقه وغربه، فهل يحمل القادم الجديد في جعبته حلولٱ سحرية يرضي الجميع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي للكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للحركة.
علي مسلم