قراءة في المشهد السوري

المرحلة الانتقالية – مقدمات بناء دولة اللون الواحد، وتعزيز سلطة الأمر الواقع.
بإنتهاء صلاحية حكومة تصريف الأعمال، وإعلان الحكومة الجديدة في دمشق في التاسع والعشرين من شهر آذار المنصرم، ودخول سوريا مرحلة انتقالية طويلة الأمد تمتد لخمس سنوات، تدخل سوريا عملياً في مواجهة تحديات جديدة، حيث أن مرحلة بنائها وفق تطلعات هيئة تحرير الشام قد بدأت، وبذلك تم طي صفحة الحوار الوطني، سيما وأن باب العمل السياسي قد أغلق تماماً، وتم بموجب الإعلان الدستوري تجميد عمل الأحزاب السياسية حتى صدور قانون خاص بها لاحقا ودون أجل مسمى، كما أن شكل الدولة ونظام الحكم قد تم تحديدهما وفق رؤية أحادية، ومن غير المرجح أن تستقطب هذه العقلية غالبية السوريين، سيما أبناء المكونات الأساسية، وقد جاء هذا الإعلان بعد أسبوعين من صدور إعلان دستوري أثار الكثير من الانتقادات، إذ يمنح أحمد الشرع بإعتباره رئيساً للمرحلة الإنتقالية صلاحيات مطلقة في تشكيل وتعيين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والقفز فوق مبدأ فصل السلطات، و حيادية الدولة تجاه الأديان، وسط تجاهل متعمد لمبدأ تعددية الدولة وحقوق مجمل المكونات السورية القومية منها والدينية، وفرض ثنائية الإسلام والعروبة على مفاصل الدولة والمجتمع .
ففي الوقت الذي يحاول فيه الشرع كسب ود المجتمع الدولي كخيار أولي وحيد، إلا أنه يضع نفسه في مواجهة إرادة الشارع السوري، بما في ذلك القوى الوطنية الديمقراطية، والكتل والأحزاب والتي ترى في مسألة استبعادها غايات وأهداف سياسية قومية وطائفية بعيدة عن تطلعات الشارع السوري الذي واجه ألة الفتك والدمار على مدى عقد ونصف من الزمن، دفع فيه السوريون الغالي والنفيس في سبيل نيل الحرية وتحقيق الديمقراطية وصيانة السلم الأهلي وحقوق الإنسان.
وبعيداً عن الحيثيات السياسية لهذه التشكيلة فإن رئيس المرحلة الانتقالية احمد الشرع، تعمد الإحتفاظ بأهم المقاعد السيادية التي تشمل ( الخارجية والدفاع والداخلية والعدل ) وحصرها في هيئة تحرير الشام في محاولة منه لتكريس سياسة القومية الواحدة، والعقيدة الواحدة، والمذهب الواحد بعيداً عن مبادئ الشراكة الوطنية ومستحقاتها، لتتحول سوريا خلال سنوات المرحلة الانتقالية الطويلة إلى مثال الدولة المركزية التي تؤسس للتسلط والاستبداد، كما أنه قام بدمج بعض الوزارات، وألغى بعضها، وأضاف وزارات أخرى كذلك من أجل إحكام سيطرته على الوزارة، أما الأبرز في شكل الحكومة السورية الجديدة، فهو إلغاء منصب رئيس الوزراء، بعدما اعتمد الإعلان الدستوري النظام الرئاسي المحض، الذي يجعل من رئيس الدولة، رئيساً للحكومة. وقد ضمت الحكومة السورية المعلن عنها، 23 وزيراً، علماً أن آخر حكومة للنظام السوري المخلوع، التي رأسها محمد غازي الجلالي، كانت تضم 27 وزيراً.
وقد ذهب بعض المحللين والمهتمين بالشأن السوري بالقول إلى أن الرئيس الشرع قد اقتدى بالتجربة التركية التي قادها حزب العدالة والتنمية على مدى سنوات حكمه، من خلال الإعتماد على الكتلة الصلبة والسيطرة على المناصب السيادية في تشكيلة الوزارة، وإشغال باقي مكونات المجتمع بحقائب وزارية ثانوية ومن ثم تبديلهم بآخرين بعد فترة زمنية وجيزة بغية إشغال الرأي العام، وإيهام المجتمع الدولي كما حصل في يوليو 2024 حين طال التغيير كل من وزيري الصحة والبيئة.
وبالقياس الى حكومة تصريف الأعمال التي حظيت بالشرعية الثورية الشكلية التي تكرّست من خلال بيان مؤتمر النصر الصادر في 29 كانون الثاني 2025، هذا المؤتمر الذي اعترف بأحمد الشرع رئيساً للجمهورية في المرحلة الانتقالية، ثم تعززت من خلال مخرجات ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني في 25 شباط 2025، والتي أيّدت مخرجات مؤتمر النصر، ثم تحوّلت الشرعية الثورية إفتراضياً إلى شرعية قانونية من خلال الإعلان الدستوري الإشكالي الذي أصدره الرئيس في 12 آذار 2025. فإن الحكومة المعلنة تفتقر إلى أدنى أشكال الشرعية، وقد جاءت فوقية وبعيدة عن الإرادة الشعبية صاحبة الصلاحية والقرار، وكان من المأمول أن يكون مصدر شرعية هذه الحكومة وما سبقها من إجراءات في سياق الحوار الوطني والدستور هي القوى المجتمعية وفق آليات وطنية تمهد للانسجام الاجتماعي المطلوب ، فدفع الأمور عنوة بهذا الإتجاه إنما يراد منه الإمساك بخناق المجتمع السوري بألوانه وتكويناته، وبالتالي تدجينه وإخضاعه بالقوة، ناهيك عن محاولة الإبقاء على التشظي الجغرافي، وإبقاء أجزاء واسعة من خارطة سوريا خارج المعادلة السياسية، والاستفراد بمناطق الساحل السوري والقيام ببعض الممارسات التعسفية بحق أبنائها، و التي تندرج ضمن سياسة الإبادة الجماعية ، وهذا ما يدفعنا للاعتقاد بأنه يعمل من أجل الإبقاء على بعض الأجزاء المحددة من سوريا تحت سلطته وشمولها بالخدمات وإعادة الإعمار، على غرار ما تنبأ به المخلوع بشار الأسد في نهاية عام 2015، حين أعتبر بعض الأجزاء من سوريا على أنها مفيدة، وترك الأجزاء الأخرى من سوريا تلوح في فضاء الفوضى، مما يدفع البلاد مرة أخرى إلى الفوضى وعدم الإستقرار، وهذا يوحي بشكل جلي إلى أن العقلية الفصائلية لا يمكنها أن تبني اوطاناً يسودها الهدوء والإستقرار.
في ٣ نيسان ٢٠٢٥
الهيئة التنفيذية لحركة آزادي الكُردستاني في سوريا