“غموض استراتيجي”.. قراءة في سياسة ترامب الشرق أوسطية بأول 100 يوم (ملف خاص- CNBC عربية)

الحرب التجارية
نشرالثلاثاء، 29 أبريل 2025 | 3:39 مساءً
آخر تحديث الثلاثاء، 29 أبريل 2025 | 6:13 مساءً

“غموض استراتيجي”.. قراءة في سياسة ترامب الشرق أوسطية بأول 100 يوم (ملف خاص- CNBC عربية)
استمع للمقال

▪️ الاستثمارات والمفاوضات والتهديدات العسكرية.. مرتكزات سياسة ترامب الرئيسية في الشرق الأوسط
▪️ الملفات الثلاثة الأكثر تعقيداً.. كيف يدير ترامب الأزمات في غزة واليمن وإيران؟
▪️ الرسوم وتعليق المساعدات الخارجية.. هل تخاطر الإدارة الجمهورية بتآكل نفوذها الإقليمي؟
▪️ هل يتعامل الرئيس الأميركي مع العلاقات الدبلوماسية على أنها مفاوضات حول مصالح محددة أكثر منها تحالفات استراتيجية طويلة الأجل؟
خاص – CNBC عربية
يتبنى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب نهج “الغموض الاستراتيجي” في سياسته الخارجية، لا سيما تجاه قضايا الشرق الأوسط، في محاولة لإعادة تشكيل معادلات القوة الإقليمية وتعزيز النفوذ الأميركي ضمن بيئة دولية معقدة ومتشعبة.
تميزت سياسة ترامب -خلال الـ 100 يوم الأولى من ولايته الثانية التي بدأت في العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي- بالسعي إلى تحقيق توازن دقيق بين الردع العسكري أو الحلول الخشنة، والدبلوماسية المرنة، واضعاً نصب عينيه هدفين متلازمين: تأكيد الهيمنة الأميركية على الساحة الإقليمية، وإدارة الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة.
وفي هذا السياق، ارتكزت مقاربته في الشرق الأوسط على ثلاثة محاور رئيسية في أول 100 يوم
3 محاور ترتكز عليها مقاربة ترامب بالشرق الأوسط:
▪️ المحور الأول: تشجيع تدفق الاستثمارات وإبرام الصفقات التجارية (كوسيلة لتعزيز النفوذ الأميركي الاقتصادي في المنطقة)، وتبرز في هذا السياق الاستثمارات السعودية والإماراتية التي تم الإعلان عنها على سبيل المثال.
▪️ المحور الثاني: الاعتماد على القوى الإقليمية للقيام بدور الوساطة في تسوية النزاعات الدولية، بما يقلل الانخراط المباشر لواشنطن (الدور المصري والقطري على سبيل المثال في مفاوضات غزة، وكذلك الدور السعودي في رعاية مفاوضات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، ودور الإمارات في اتفاقات الإفراج عن المحتجزين بين موسكو وكييف أيضاً).
▪️ المحور الثالث: احتواء التهديدات الأمنية عبر الجمع بين التحذير باستخدام القوة العسكرية والإبقاء على خيار التصعيد مفتوحًا عند الضرورة (العلاقة مع إيران نموذجاً).
عمدت الإدارة الاميركية –وفي نهج مقارب لسياسات ترامب في ولايته الأولى-إلى إرسال إشارات متباينة تهدف إلى إبقاء الخصوم في حالة من عدم اليقين، مع الحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة مع الحلفاء التقليديين لضمان تماسك التحالفات القائمة، وهو ما يبرز بشكل جلي من تعامله مع الملف الإيراني، في الوقت الذي يبدي فيه انفتاحه على لقاء قادة طهران وبينما المفاوضات بين الطرفين الأميركي والإيراني مستمرة، فإنه لا يتردد في إرسال تهديداته المباشرة أو المبطنة بشأن ضرب طهران وتحذيرها من “رفض اليد الممدودة”.
غير أن نجاح استراتيجية “الغموض الاستراتيجي” يرتبط بشكل وثيق بمدى مصداقية وثبات الرسائل الأميركية في أعين الأطراف الفاعلة في المنطقة. فبينما يواجه النظام الإقليمي استقطاباً متوسعاً بين معسكرات متنازعة، تصبح قدرة واشنطن على فرض قواعد اللعبة مرهونة بتوازن دقيق بين الحزم والمرونة، ونصب أعينها على كلٍ من الصين وروسيا اللتين تنافسان واشنطن بقوة في المنطقة.
إدارة العلاقات بعقلية “صانع الصفقات”
اعتمد ترامب في إدارة علاقات الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط خلال الفترة المنقضية من ولايته الثانية على عقلية “رجل الأعمال” وصانع الصفقات، واضعاً الاستثمارات والفرص الاقتصادية في قلب تحركاته الدبلوماسية.
ظهر هذا التوجه بوضوح في تعامله مع القوى الخليجية الكبرى، عبر تحفيزها على ضخ استثمارات ضخمة في الاقتصاد الأميركي مقابل تعزيز الشراكات الأمنية والتكنولوجية، مع السعي إلى إعادة ضبط التوازن في المنافسة العالمية، خصوصًا في قطاع التكنولوجيا.
“
22 مليار دولار صادرات عربية غير نفطية للسوق الأميركية مهددة بسبب الرسوم الجمركية
– الإسكوا –
على سبيل المثال، تعهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال مكالمة هاتفية مع ترامب في يناير/ كانون الثاني الماضي، بضخ استثمارات وتجارية بقيمة 600 مليار دولار على مدى أربع سنوات (بينما طالب ترامب لاحقاً زيادة المبلغ إلى تريليون دولار)، بينما من غير الواضح بعد طبيعة الاستثمارات ومجالات توجيهها.
كذلك، تم الإعلان عن -في شهر مارس/ آذار- خلال زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد إلى واشنطن، عن خطة إماراتية لاستثمار 1.4 تريليون دولار خلال عشر سنوات، تشمل مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة والمعادن.
نهج متقلب
إميلي ميليكين، الباحثة في المجلس الأطلسي، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، تشير في حديثها مع CNBC عربية، إلى أنه “مع أن نهج إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط قد يبدو متقلباً، إلا أنه كان متسقاً إلى حد كبير مع ولايته الأولى؛ ذلك أنه جمع بين التواصل الدبلوماسي والمواقف العدوانية”.
تسعى إدارة ترامب إلى إبراز قوتها وتأكيد ردعها؛ خاصةً ضد إيران، مع تجنب التدخل الأميركي واسع النطاق. وقد واصلت إدارته تأكيد رغبتها في توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم والدفع نحو التكامل الاقتصادي الإقليمي، مع اتخاذ موقف متشدد ضد طهران وشبكاتها من وكلائها وحلفائها، وفق ميليكين، التي تضيف: “على سبيل المثال، في اليمن، واصلت الإدارة الأميركية الضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي للحرب الأهلية، مع السماح بشن غارات جوية محددة الأهداف على مواقع الحوثيين، ودعم الحكومة اليمنية، بحسب التقارير، في هجوم محتمل ضدهم”.
كما تُبرز الباحثة بالمجلس الأطلسي في معرض حديثها مع CNBC عربية، أبرز التحديات الرئيسية التي تواجه سياسة ترامب في الشرق الأوسط في ولايته الثانية، وكيف تعكس رسائله المتضاربة بين التفاوض والتهديد، المتغيرات السياسية داخل الولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية الأوسع في المنطقة، وتعتبر أن التحدي الرئيسي لسياسة ترامب في المنطقة يتمثل في المنافسة المتزايدة من روسيا والصين”.
تعمل الصين وروسيا على توسيع نفوذهما في المنطقة من خلال الاستثمار ومبيعات الأسلحة والتواصل الدبلوماسي، مما يوفر للدول (في المنطقة) بدائل عن الولايات المتحدة التي ترى أن موقفها في الشرق الأوسط غير مؤكد. حتى أن “الصين وروسيا توفران لجهات فاعلة غير حكومية، مثل الحوثيين، سبل دعم جديدة ومثيرة للقلق، مما سيعقّد جهود إضعافهم والقضاء عليهم”، طبقاً لميليكين.
“
نهج إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط يجمع بين التواصل الدبلوماسي والمواقف العدوانية
– إميلي ميليكين، باحثة في المجلس الأطلسي –
ملفات ساخنة
وبينما تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من السيولة والتطورات المتسارعة في ملفات مفتوحة ضمن أبرز التحديات التي تواجه إدارة العلاقات الأميركية في المنطقة على نحو مستقر، يسعى ترامب لتفادي التورط في صدامات طويلة، وبالتالي تعتمد إدارته مزيجاً من المفاوضات والتهديد العسكري.
وتجابه إدارته مزيجاً من التحديات والملفات “الأكثر صعوبة” على مستوى المنطقة، يتصدرها ملف غزة، رغم النجاح في الوصول إلى وقف إطلاق نار، إلا أن استئناف الحرب وتعليق المساعدات الإنسانية والحصار المفروض على القطاع يفاقم من المخاطر القائمة، في وقت تتبنى فيه الإدارة الأميركية رؤى صدامية مع دول عربية، من بينها مصر، فيما يخص خطة تهجير أهالي غزة التي قوبلت برفض عربي (عبرت عنه نتائج القمة العربية الأخيرة).
أيضاً ملف الحوثيين في اليمن، يظل من أبرز الملفات العالقة أمام الإدارة الأميركية، والتي أطلقت حملة عسكرية لكبح هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، لا تزال الشكوك تدور حول مدى قدرتها في تحقيق الأهداف الأميركية، لا سيما في ظل صعوبة البيئة اليمينة ومرونة الحوثيين وأدواتهم.
كذلك بالنسبة لإيران، فقد أجرت إدارة ترامب ثلاث اجتماعات تفاوضية مع إيران في الأسابيع الأخيرة. ورغم الإشارات الإيجابية الواردة من كواليس تلك المفاوضات سواء على لسان الطرف الأميركي أو الإيراني إلا أنه من غير الواضح طبيعة النتائج التي ينشدها كل طرف، لا سيما وسط ما يبدو من انقسامات حول الرؤية، ومع رغبة أطراف داخل الإدارة الأميركية وكذلك إٍسرائيل تفكيك البرنامج النووي بالكامل كهدف. وبينما يهدد الرئيس الأميركي بقصف غير مسبوق لطهران حال فشل المفاوضات، ما يجعل السيناريوهات كافة مفتوحة.

استمرارية جوهرية
استاذ العلاقات الدولية في كلية هاملتون في نيويورك، آلان كفروني، يقول لـ CNBC عربية، إن السياسة الأميركية تجاه إيران والشرق الأوسط عموماً تتسم باستمرارية جوهرية؛ ففي العام 2018، انسحب دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة التي تفاوض عليها باراك أوباما بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي وروسيا في العام 2015. ولم تسعَ إدارة بايدن إلى العودة إلى المعاهدة، بل حافظت على نصيب الأسد من عقوبات ترامب. من جانبها، زادت إيران من قدرتها على تخصيب اليورانيوم بشكل كبير – حيث ورد أنها وصلت إلى 60% وتقترب الآن من الحد اللازم لامتلاك سلاح نووي وفقًا لمعاهدة الطاقة الذرية الدولية.
في الوقت نفسه، أضعفت العقوبات الاقتصاد الإيراني بشكل خطير، مما حفز طهران ليس فقط على السعي للتعاون مع الولايات المتحدة، ولكن أيضاً على توثيق العلاقات مع روسيا والصين، حيث زودت الأولى بدعم عسكري كبير في شكل طائرات بدون طيار، والثانية بالنفط، وبالتالي تجنبت العقوبات الثانوية الأميركية. وبعد انضمامها إلى مجموعة البريكس في عام 2024، وقعت إيران اتفاقية دفاع مشترك مع روسيا، على الرغم من أنها لا تتطلب دعمًا عسكريًا.
“
لدى واشنطن أسباب استراتيجية واقتصادية قوية لاستهداف إيران واستعادة هيمنتها على منطقة ذات موارد نفطية هائلة
– آلان كفروني، استاذ العلاقات الدولية في كلية هاملتون في نيويورك –
ويشير كفروني إلى أنه “لدى واشنطن أسباب استراتيجية واقتصادية قوية لاستهداف إيران واستعادة هيمنتها على منطقة ذات موارد نفطية هائلة، وفي بعض النواحي لا تزال غير مُستغلة، لا سيما في إيران، بالإضافة إلى تطوير ممرات تجارية – قد تكون متعارضة في بعض النواحي”.
ويوضح أنه بعد إضعاف إيران بشكل خطير من خلال الهجمات الجوية المكثفة والتدمير المزعوم لأنظمة الدفاع الصاروخي الإيرانية من طراز S-300، يضغط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الآن من أجل شن غارات جوية شاملة على المنشآت النووية الإيرانية إلى جانب غارات الكوماندوز، المصممة بالكامل للقضاء على القدرة النووية الإيرانية المحتملة، وقد قاوم ترامب حتى الآن هذه التحركات، والتي ستتطلب بالتأكيد دعماً أميركياً كبيرًا، مطالبًا طهران بخفض تخصيب اليورانيوم إلى 3٪ من المستويات المدنية، وهدد في نهاية مارس بشن حملة قصف شاملة إذا لم تمتثل إيران.
توفر هذه التهديدات السياق لجولة من المفاوضات الأميركية الإيرانية. وبحسب ما ورد تختلف إسرائيل والولايات المتحدة حتى حول التخصيب بنسبة 3٪، وهو خط أحمر لطهران، بحسب كفروين الذي يشير إلى أن رفض إيران الامتثال لإملاءات ترامب أو هجوم أحادي الجانب من جانب أجندة نتنياهو التوسعية قد يؤدي إلى حرب مدمرة يمكن أن تمتد إلى ما وراء المنطقة.
وحول ملف غزة، يشير استاذ العلاقات الدولية إلى أن إدارة ترامب حافظت على دعم بايدن الهائل وغير المشروط لحرب إسرائيل المدمرة على غزة، مُواصلةً تمكينها من شن هجمات مُدمرة على حزب الله والتوغلات في سوريا ولبنان.. ومن غير المُرجح أن تضغط واشنطن على إسرائيل بشأن هذه الإجراءات، كما يتضح من الضربة الإسرائيلية الضخمة الأخيرة على بيروت.
وفيما يخص اليمن، فمن خلال عملية “الفارس الخشن”، شنت الولايات المتحدة حملة ضد الحوثيين في اليمن تهدف إلى القضاء على هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر دعماً لسكان غزة، والتي شملت 800 هدف ومقتل المئات، بنتائج محدودة وإن كان نجاحها محدوداً.
الغموض الاستراتيجي
وهذا التباين بين أدوات ترامب التفاوضية والتصعيدية في منطقة الشرق الأوسط يأتي كجزء من فلسفة سياسته الخارجية الأوسع، ذلك أنه “يُمكن النظر إلى عقيدة الرئيس ترامب في السياسة الخارجية في المراحل الأولى من ولايته الثانية من خلال عاملين رئيسيتين: الغموض الاستراتيجي والدبلوماسية التبادلية، ويتشابه النهجان مع ولايته الأولى، لكنهما أكثر وضوحاً في بداية ولايته الثانية، وتنطبقان بالتساوي على الأصدقاء والأعداء”.
ولطالما كان الغموض الاستراتيجي سمةً مميزةً لأسلوب ترامب في السياسة الخارجية، من خلال إطلاق مبادرات سلمية (مثل استئناف المحادثات الدبلوماسية مع إيران للتوصل إلى اتفاق سلام نووي مُوثّق)، مع الدفع في الوقت نفسه نحو “أقصى قدر من الضغط”.
يسعى ترامب إلى الحفاظ على المرونة وعدم القدرة على التنبؤ لتعظيم نفوذ الولايات المتحدة في المفاوضات، وهو مبدأ متجذر في استراتيجيات إبرام الصفقات التجارية، حيث يمكن للغموض أن يُحقق مزايا تفاوضية. وهو ما يؤكده الاستاذ المساعد في إدارة الأعمال الدولية في الجامعة الأميركية، باباك حافظي، لدى حديثه مع CNBC عربية، مشيراً إلى أن “سياسة الرئيس ترامب تعكس نظرة معاملاتية مكثفة للعلاقات الدولية، حيث تتعامل مع العلاقات الدبلوماسية على أنها مفاوضات حول مصالح محددة أكثر منها تحالفات استراتيجية طويلة الأجل”.
تنعكس هذه السياسة في نهجه تجاه غزة؛ إذ اقترح السيطرة على القطاع وإعادة تطويره ليصبح وجهة سياحية (ريفيرا الشرق).
كما تشير المؤشرات الأولية إلى استمرار هذا التوجه؛ إذ يبدو أن التواصل مع دول الخليج بشكل خاص، مرتبط بتوقعات محددة بشأن النفط (استقرار الأسعار العالمية)، والحفاظ على الدولار كعملة رئيسية لتجارة النفط، والتركيز على الاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة من قِبل دول المنطقة، وتحفيز التغيير في السياسة التجارية من خلال نظام التعريفات الجمركية، والمشتريات العسكرية، ومواجهة إيران.
كيف تهدد الرسوم الجمركية “الدول العربية؟
ويضيف: “كما تُحرك الأولويات الاقتصادية نهج الرئيس ترامب؛ إذ تُستخدم سياسة الشرق الأوسط بشكل متكرر كأداة لتعزيز مبيعات الأسلحة، وضمان مزايا الطاقة، والاستفادة من اتفاقيات التجارة.. ولا تُمثّل التهديدات إشارات دبلوماسية فحسب، بل أوراق مساومة اقتصادية أيضاً، تضغط على الحلفاء لزيادة الإنفاق الدفاعي أو تعديل إنتاج النفط بما يتماشى مع المصالح الأميركية.. وعلى الرغم من الإشارات الخطابية نحو فك الارتباط، لا تزال الولايات المتحدة متورطة بشدة في المنطقة نظراً لضرورات تتعلق بأمن الطاقة ومكافحة الإرهاب ومنافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا”.
تحديات هيكلية
ويشير الاستاذ المساعد في إدارة الأعمال الدولية في الجامعة الأميركية، إلى أن سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط تواجه “تحديات هيكلية”، أبرزها:
▪️ نفوذ إيران الإقليمي وغياب اتفاق نووي واضح المعالم رغم استئناف حملة “الضغط الأقصى”.
▪️ تحول التحالفات داخل مجلس التعاون الخليجي.. في وقت يُحدث فيه تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية تحولاً جذرياً في التحالفات داخل المنطقة على سبيل المثال.
▪️ الصعود المستمر للجهات الفاعلة غير الحكومية يزيد من تعقيد السياسة الأميركية.
▪️ تداعيات خفض التمويلات الأميركية (من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية).
ويعتقد بأن ما قد تخلفه الولايات المتحدة من فراغ “سيسمح للصين بتوسيع حضورها الإقليمي من خلال استثمارات مبادرة الحزام والطريق في البنية التحتية الخليجية”، لافتاً أيضاً في الوقت نفسه إلى أنه “إذا اعتمدت الولايات المتحدة بشكل أساسي على استراتيجيات قسرية دون تقديم شراكات اقتصادية وأمنية مقنعة طويلة الأجل، فإنها تخاطر بتآكل نفوذها الإقليمي”. كما أنه إلى جانب التعريفات الجمركية الأمريكية، قد يجبر هذا دولًا صديقة مثل الأردن على البحث عن أسواق أخرى لسلعها، مما يضعف نفوذ الولايات المتحدة بشكل أكبر في المناطق التي تتمتع حاليًا بمواقع قوية.
ثلاثة محاور رئيسية
الخبير الاستراتيجي، أنتوني كاودن، وهو مدير Stari Consulting المتخصصة في سياسات الأمن القومي، يقول لدى حديثه مع CNBC عربية: أعتقد بأن تصرفات الرئيس ترامب في الشرق الأوسط يمكن النظر إليها من ثلاثة محاور: (الدعم غير المشروط لإسرائيل، واتفاق جديد مع إيران، واستمرار التعاون مع المملكة العربية السعودية).
ويفند كادون هذه المحاور الثلاثة على النحو التالي:
▪️ أولاً- فيما يخص إسرائيل، فيشير إلى أنها الآن في حالة حرب على أربع جبهات تقريباً (غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية).. جميع هذه الأمور أحادية الجانب إلى حد كبير، إذ لا تواجه إسرائيل أي تهديد وجودي – بل لا تهديد جدي – من أي من هذه الجبهات. وليس من الواضح كيف ستنتهي الأمور في غزة سوى بسقوط أعداد كبيرة من القتلى الفلسطينيين واحتلال إسرائيل العسكري للمنطقة.
▪️ ثانياً- فيما يتعلق بإيران، فسيكون من المثير للاهتمام معرفة نوع الاتفاق الذي يمكن لترامب التفاوض عليه، وكيف سيختلف عن خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) التي أعلن عنها أوباما، والتي انسحب منها ترامب في العام 2018، ويعود ذلك أساساً إلى عدم تناولها تطوير إيران للصواريخ الباليستية ودعمها لوكلاء لها في المنطقة (حزب الله، والحوثيون، وغيرهم).
▪️ ثالثاً- فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية “نرى أنها عُرضت عليها حزمة أسلحة جديدة.. ومن المتوقع أن تستمر هذه الجهود في تحقيق نتائج مثمرة”.

ويعتقد بأن التحدي الأكبر الذي تواجهه سياسة ترامب الخارجية في الشرق الأوسط يتمثل في دعمه غير المشروط لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسياسة إسرائيل تجاه غزة، مردفاً: “لقد أصبحت أفعال إسرائيل في غزة بمثابة إبادة جماعية.. فهي أشبه بـ (تدمير الأرض) وسكانها (..)”. وبالنسبة للولايات المتحدة، فيرى أن الرأي العام الأميركي يبتعد عن إسرائيل، ومن المرجح أن يكون لذلك تأثير في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وكذلك الانتخابات الرئاسية المستقبلية.
أما فيما فيما يتعلق بالاتفاق مع إيران، فسيوقع ترامب اتفاقيةً، وسيُعلنها كـ “أعظم اتفاقية على الإطلاق”، وهي بالتأكيد أفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة، بغض النظر عن بنودها الفعلية، لذا لا يوجد أي تحدٍّ حقيقي.
أما بالنسبة للعلاقات مع السعودية ودول الخليج، فسيكون التحدي الأكبر مرتبطًا بتأثير سياسة الرسوم الجمركية الأميركية على أسعار النفط (..)، وفق كاودن.
في تقديره، يرى أن هناك أمرًا واضحًا في الشرق الأوسط: السياسة الخارجية الأمريكية لم تعد تدعم الديمقراطية أو الحركات الديمقراطية في الدول الأخرى. كما أن “القوة الناعمة” للولايات المتحدة – المتمثلة في احترام الدول الأخرى لها، ورغبتها في محاكاتها، والاستماع إليها والتعاون معها – قد تراجعت بشكل كبير. ومثل باقي دول العالم، لا أحد يعرف إلى أين ستتجه سياسة التعريفات الجمركية الأمريكية في عهد ترامب.

“تأرجح” سياسات ترامب
الباحث في مؤسسة “أميركا الجديدة”، باراك بارفي يقول لـ CNBC عربية، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب “ينتقل قضية لأخرى.. وليس لديه أيديولوجية، ولا يُفكّر مليًا في أفكاره لصياغة سياسة متماسكة”، مشيراً إلى أن آرائه بشأن غزة تُوضّح ذلك. ويضيف: “في بداية رئاسته، صرّح بأنه يريد تحويل القطاع إلى وجهة ساحلية مميزة، وحثّ الفلسطينيين على المغادرة. لكن في لقائه الأخير مع نتنياهو، لم يعد إلى أفكاره”.
“
ترامب يتأرجح بين التهديدات والصفقات الكبيرة
– باراك بارفي، باحث في مؤسسة أميركا الجديدة –
ويستطرد: “سيحدث الأمر نفسه مع إيران، فهو يتأرجح بين التهديدات والصفقات الكبيرة. لكن ليس لديه قناعات جوهرية بشأن إيران وسياستها النووية. ومن المرجح أن يتخلى عن التركيز على هذه القضية عند ظهور قضية ملحة جديدة.
كما يقول بارفي إن “ترامب الذي وعد بإنهاء المغامرات الأميركية في الشرق الأوسط يُدخل واشنطن في مغامرة جديدة مع الحوثيين.. لقد صعّد قصفه للجماعة، لكنه لم يتمكن من كبح جماح أنشطتها. ومن المحتمل أن يُصرّح بمهام أكثر خطورة”.