آراء و ومقالات

المنتظَر والمطلوب بعد هجوم حماس الأخير على إسرائيل

المنتظَر والمطلوب بعد هجوم حماس الأخير على إسرائيل

بقلم: عبدالله إمام

لم يكن الهجوم الإرهابي المباغِت الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل يوم السبت في السابع من شهر تشرين الأول/ اكتوبر الحالي هو الأول من نوعه بل إنّ إسرائيل تتعرض بين الفينة والأخرى – على الأقل منذ اتفاق اوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية ومن ثم اقتطاع حركة حماس لقطاع غزة وتحكُّمها بمفاصله الإدارية والأمنية والعسكرية – لهجمات واعتداءات تطال منشآت ومراكز مدنية وبصواريخ تطلق في غالبيتها بشكل عشوائي، إنْ من جهة الشمال حيث حزب الله اللبناني أو من جهة الجنوب الغربي حيث حركة حماس ومنظمات إرهابية أخرى مثل حركة الجهاد الإسلامي.

وحيث أن تلك الاعتداءات أصبحت أمراً «روتينياً» بحيث تعوّدت إسرائيل على التعامل معها بضربات جزئية أقرب إلى التأديب داخل قطاع غزة أو في الجنوب اللبناني، فإن الهجوم الأخير لحماس على إسرائيل كان مختلفاً من حيث الحجم والنوع ومن حيث عدد الضحايا الذي بلغ المئات من القتلى وعدد أكبر من الجرحى، إلى درجة بات يقارن بأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر من العام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الردّ الإسرائيلي، واستطراداً الدولي، سيكون مختلفاً أيضاً، مع الإشارة هنا إلى وجود ضحايا يحملون جنسيات أجنبية.

في الحالات السابقة كانت إسرائيل تكتفي بالردّ التأديبي المحدود داخل الحيز الجغرافي الذي كانت تنطلق منه الاعتداءات، كما كان التفاعل الدولي يكتفي بتصريحات إدانة واستنكار وتقديم التعازي والإعلان عن التضامن مع إسرائيل وتقديم المزيد من الدعم لها، إلاّ أن الاعتداء الأخير قد استدعى ردوداً مختلفة سواء من قبل الحكومة الإسرائيلية، أو من قبل المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

فالردّ الاسرائيلي تجلّى بإعلان مجلس الوزراء الأمني في إسرائيل «حالة الحرب» ما يسمح باتخاذ «خطوات بعيدة المدى» بحسب مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي أشار إلى مسؤولية إيران عن هذه الهجمات، وتبع ذلك قيام الطيران الإسرائيلي بقصف واسع ومكثف لمناطق سيطرة حماس. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى عنصرين مهمين يلعب كل منهما دوراً مناقضاً للآخر في هذه المرحلة: العنصر الأول يتمثل بوجود العديد من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس ويؤدي عامل الخوف على حياتهم ومحاولة إنقاذهم إلى الحذر وترك المجال للتفاوض وهذا ما يؤدي إلى تلكؤ العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حماس. أما العنصر الثاني الذي يلعب دور النقيض فهو الرأي العام الإسرائيلي الذي يتهم الحكومة بالتقصير وعدم القدرة على حماية مواطنيها وبالتالي فإن الحكومة مجبرة على القيام بردّ نوعي يمتص الغضب الشعبي ويقنع الرأي العام بأنها قامت بالواجب، وإلا فإن الأحزاب المشكلة للحكومة ستفقد السلطة في أقرب انتخابات برلمانية.

أما التفاعل الدولي فكان هو الآخر مختلفاً إذْ لم يكتفِ بالإدانة والاستنكار بل إنّ القنوات الدبلوماسية أصبحت ساخنة وبات المجتمع الدولي أمام استحقاق مفصلي، وأشير في هذا الصدد إلى التفاعل غير المسبوق للولايات المتحدة الأمريكية التي أعلن وزير دفاعها لويد اوستن أن «واشنطن سترسل حاملة طائرات وسفناً حربية أخرى إلى شرق البحر المتوسط» وسترسل إلى الجيش الإسرائيلي «معدات وموارد إضافية» وأنها «تحتفظ بقوات جاهزة على مستوى العالم لتعزيز موقف الردع هذا إذا لزم الأمر»، كما استنفرت الدبلوماسية الأمريكية منذ اليوم الأول لهجوم حماس وما تزال تعمل على تأطير الجهد الدولي باتجاه إيجاد حلّ جذري يكون أمن إسرائيل هدفها الأول. لذا فقد تابعنا أولاً بيانات الإدانة والاستنكار من قبل العديد من الجهات الرسمية الأمريكية مثل الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني ج. بلينكن والمتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسن والسفيرة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد.. كما تابعناً ونتابع التواصل الأمريكي مع العديد من دول منطقة الشرق الأوسط والدول الأوروبية، حيث اتصل وزير الخارجية بكل من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ووزير الخارجية المصري سامح شكري، بالإضافة إلى اتصاله بوزيرة الخارجية الألمانية أنا لينا بيربوك ووزير الخارجية الإيطالي انتونيو تاجاني ووزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل.. كما أنه يجدر بالذكر موقف الرأي العام في الدول الأوروبية الذي وقف مع إسرائيل، وعلى سيل المثال فقد أكدت أحزاب الحكومة والمعارضة في ألمانيا على أن «أمن دولة إسرائيل يعدّ التزاماً ومصلحة وطنية ألمانية».

ومن جهة أخرى يأتي هجوم حماس الأخير على إسرائيل بعد القصف التركي المكثف على مناطق من كردستان سوريا كَرَدّ على العملية التي طالت العاصمة أنقرة والتي تبنّاها حزب العمال التركي، وكذلك بعد أسابيع من الاشتباكات التي جرت بين مسلحين تابعين لبعض العشائر من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى وذلك بدفع إيراني لإجهاض السعي الأمريكي للسيطرة على مناطق نفوذ إيران في الشرق السوري وتشكيل منطقة عازلة على طول الحدود العراقية السورية تصل حتى منطقة التنف وربما تتجاوزها وذلك لقطع الطريق البري الذي من خلاله تمدّ إيران الميليشيات التابعة لها في سوريا ولبنان بالدعم العسكري. تلك الأحداث دفعت بإيران إلى إحداث هزة تطال العمق الإسرائيلي فتضغط من خلالها على الفاعلين الدوليين للتأنّي في موضوع ضرب النفوذ الإيراني والحذر من الإمكانيات الإيرانية العسكرية والاستخباراتية ومن امتداداتها الأخطبوطية داخل دول عديدة في المنطقة وقدرتها من خلال الأذرع الميليشياوية التابعة لها على إحداث فروق جوهرية في المعادلات السياسية والعسكرية داخل كل دولة وفي المنطقة عموماً. وبالإضافة إلى ذلك فإن إيران أرادت وضع العصي في عجلة العلاقات العربية – الإسرائيلية والجهود الأمريكية الساعية باتجاه التقارب والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية وخاصة الخليجية منها.

الجميع يعلم، وفي المقدمة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بأن حماس ليست سوى أداة بيد إيران، وأن لا مصلحة للشعب الفلسطيني في مثل هذه الهجمات الإرهابية، بل إن إيران هي التي قررت وخططت ومولّت العملية واختارت توقيتها، ولم يكن لحماس سوى دور المنفّذ، لذا فإن ردّاً إسرائيلياً ودولياً كلاسيكياً على هجوم حماس الأخير سيكون بمثابة انتصار لإيران ومؤشراً ليس فقط على ضعف وتقصير الحكومة الإسرائيلية – كما يتهمها الشارع الإسرائيلي – بل على تخاذل الدول الحليفة لإسرائيل في حماية حليفها وبالتالي إطلاق يد إيران في المنطقة، ما يعني القضاء على ما تبقى من مقومات استقرار المنطقة ومحاربة الإرهاب فيها.

لذا فإن الرد المطلوب يجب أن يطال إيران بالدرجة الأولى باعتبارها جهة صانعة وداعمة للمنظمات الإرهابية في المنطقة ومنها حماس، وإبطال قدرتها على التحكّم بمصير المنطقة ودولها ودفع مجتمعاتها إلى العودة إلى الحالة ما تحت الوطنية وتنمية الأرضية الإرهابية لإنتاج المزيد من الإرهابيين الذين يشكلون خطراً على العالم أجمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى